يولد الإنسان كائنا ضعيفا لا حول له ولا قوة في أسرة بين أبوين لم يختر أيا منهما ويكون علي فطرته كصفحة بيضاء لا يحتاج للحياة إلا الغذاء والرعاية والحنان وفي طفولته من سن الثالثة حتي الخامسة يكون قد عرف القدوة التي تشكل صفاته وسلوكه وأخلاقياته في المستقبل وتتمثل له في الأب والأم اللذين يمنحانه قيم الأخلاق والصفات الإيجابية أو السلبية وفي المحيط الاجتماعي من حولي أعرف فتاة كانت تتخذ من والدها قدوة صالحة وتثق في صدقه ووفائه بالوعد معها وإخوتها ولكنه مع تكرار عدم الوفاء لهم بوعوده عرفت أنه قدوة مزيفة وأن الكذب وسيلته للفرار من أي مواجهة وبلا وعي حينما بلغت مرحلة الشباب اتخذت نفس أسلوب والدها فصار الكذب طوق نجاتها من العقاب أو جلب منفعة أو ليتعاطف معها زملاؤها أو أفراد أسرتها ومع تكرارها الكذب كانت في بعض الروايات تنسي ما قالته وتكرره بشكل آخر مخالف للسابق فينكشف أمرها وفي التراث الشعبي مقولة تنصح من مثلها بأن "إذا كنت كذوبا فكن ذكورا". ومن السلوكيات المرفوضة الناشئة عن غياب القدوة ما شاهدناه في فيديو تناقلته وسيلة التواصل الاجتماعي الفيس بوك وعرضت بعضا منه إيمان العاصي في برنامج "مساء دي إم سي" حيث اعتدي ثلاثة شبان علي رجل مسن بالضرب والسباب البذيء الذي منع البرنامج أصواتهم لأن تصل لأسماع المشاهدين واحتجزوه في ورشة ومنعوه من مغادرتها إلا بعد تصوير الفيديو الذي يؤكد أن هؤلاء الشباب قدوتهم نموذج البلطجي فارض السيطرة علي الضعفاء الذي يشاهدونه في أفلام السينما ومسلسلات التليفزيون من إنتاج بعض المنتجين الذين اتخذوا من ممثل مبتديء بطلا لهذا الدور المبهر بالقوة للأطفال والمراهقين وجعلوه نجما يحصل علي أكبر أجر عن قرنائه بالملايين لكنه أفقد هؤلاء الشباب إنسانيتهم وإذا ما ظل هو قدوتهم فلاشك أنه سيؤدي بهم إلي عالم الإجرام لأن هذا الفيديو قدمه البرنامج كبلاغ للشرطة لمعاقبة الشباب المعتدين علي الرجل المسن وبالفعل قبل نهاية الحلقة تواصل رجال الداخلية مع المذيعة لأخذ بيانات ناشر الفيديو والمشاركين فيه. ولأن القدوة تشكل شخصية الإنسان ومستقبله بتلازمها له في مراحل حياته فإن البرنامج الجديد "اتكلم براحتك" الذي تقدمه قناة "القاهرة والناس" بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة خصص من بين حلقاته التي تناقش مشكلات وقضايا الشباب حلقة عن "القدوة" ناقش فيها الإعلامي محمد علي خير المعايير المتحكمة في اختيار الشباب لها مع الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر كما استمع إلي آراء الشباب في الاستديو وفي التقارير المسجلة معهم في الشارع وكان بينهم من قال إنه لا يحتاج لآخر لأنه هو قدوة نفسه لكن الكثير منهم اتخذوا نماذج قدوتهم من الآباء والأمهات والمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعات وبعض الشخصيات الشهيرة مثل العالم الراحل الدكتور أحمد زويل والجراح العالمي الدكتور الإنسان سير مجدي يعقوب والمهندس رجل الأعمال نجيب ساويرس والشيخ محمد متولي الشعراوي ولاعب الكرة العالمي محمد صلاح صاحب الإنجازات في نادي ليفربول ومنتخب مصر لأنه خاض رحلة تحد لظروفه الصعبة في القرية التي لم تقض علي طموحه في الانتماء لنادي محلي وكانت نتيجة كفاحه النجاح الباهر والاحتراف في أندية عالمية وجوائز عديدة كأحسن لاعب كرة. والقدوة كما قال عنها الدكتور المهدي لا تكون بالاختيار الواعي بل إنها تنتج من خلال مستقبلات النفس داخل كل إنسان وحسب معتقدات البيئة والصفات التي تحبذها الأسرة التي نشأ فيها الأبناء فالبعض يكون اتجاهه نحو القيم والأخلاقيات أو إلي الثراء أو القوة والسلطة أو تكون السلوكيات السلبية العشوائية والصفات الذميمة وهكذا. ولا شك في أن للدراما في السينما والتليفزيون دورا مؤثرا في سلوك الشباب لأنها تقدم في بعض الأعمال رحلة سقوط البطل بإبهار جاذب للمراهقين والأطفال لتقليده بدلا من تقديم رحلة صعوده إلي النجاح وتحدي الصعوبات لتحقيق طموحه ليكون بذلك نموذجهم للقدوة الصالحة وها هو شهر رمضان قد هل علينا ككل عام بعشرات المسلسلات التي نتمني أن تقدم قصصا لنماذج إنسانية ناجحة ومبشرة تشجع الشباب علي الاقتداء بها بدلا من نموذج البلطجي الذي يفرض سطوته علي الضعفاء.