ماذا تريد أمريكا من سوريا؟ سؤال محير والإجابة عليه تثير الحيرة الشديدة لأن الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا غير واضحة المعالم بصورة جلية وغامضة كما هو حالها مع العراق أو أفغانستان. تدخلت في سوريا عبر وكلائها وعملائها وعندما فشلوا في تحقيق هدفها بإسقاط النظام وتغييره وتنفيذ مخطط تقسيم سوريا إلي كيانات طائفية ومذهبية وعرقية تدخلت بشكل مباشر وأرسلت نحو 2500 جندي وضابط وأقامت عدة قواعد منتشرة في شرق الفراا إلي جانب القاعدة الأكبر في التنف علي الحدود السورية الأردنية رغم نفيها في البداية إلا أنها اعترفت أن لها مستشارين لتدريب ما يسمي بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وهي عناصر كردية وفي الحقيقة أن الوجود الأمريكي كان له عدة أشكال وأهداف فقد شاركت في كل غرف العمليات التي أقيمت في الأردنوتركيا لإدارة الحرب علي سوريا من خلال مئات المليشيات الإرهابية التي تشكلت بمعرفتها في أغلب المدن والأرياف السورية وكان علي رأسها داعش وجبهة النصرة ولكن تلك التنظيمات خذلتها ولم تستطع أن تصمد أمام الجيش العربي السوري وضربات الطيران الروسي فتفرقت وتبعثرت وأغلبها رضي بالمصالحة مع الحكومة السورية ولم يتبق إلا بعض الجماعات التابعة لتركيا وقطر وهي محشورة في محافظة أدلب تحملت أنقرة مسئولية إيجاد مخرج سياسي لها في ظل اتفاق مع روسياوإيران بطبيعة الحال لم يعجب واشنطن تفوق الدور الروسي ونفوذه الكبير في سوريا والتطور الواسع في علاقات موسكو مع تركيا حليفتها في الأطلنطي ورأت في الوجود الروسي تغولاً علي نفوذها ومصالحها في المنطقة بل وتهديد مباشر لها بعد إقامة روسيا قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية وتطوير وتوسيع قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس ونجاحها في الحسم العسكري للأوضاع علي الأرض وفي إجراء المصالحات مع أغلب التنظيمات المسلحة وحصرهم جميعاً في محافظة أدلب حتي لا يكون أمامهم غير خيارين إما الاستسلام والقبول بالمصالحة أو القتال وهم في أسوأ وضع عسكري. أرسلت واشنطن قواتها إلي المناطق الكردية بحجج واهية لدعم الأكراد وحمايتهم وملاحقة فلول داعش في الرقة وريف دور الزور والبادية وتدريب قوات ما يسمي المعارضة المعتدلة وقد فشلت فيها جميعها لأنه لم يكن ذلك هدفها الحقيقي وإنما كانت مبررات للتواجد علي الأرض. علي سبيل المثال فقبل سنوات ربطت وجودها في سوريا بالقضاء علي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وقبل أيام خرج مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص لشئون سوريا جيمس جيفري بقوله إن الإدارة الأمريكية لديها استراتيجية عسرية قد تفعلها في سوريا بعدما طبقت سابقاً في العراق ولم يوضح جيفري ماهية الاستراتيجية غير أنه ردد ما تردد كثيراً علي لسان عدد كبير من المسئولين الأمريكيين من قبل من أن الهدف سيكون دحر تنظيم الدولة وأفصح جيفري عن النوايا الحقيقية بربطه بين بقاء القوات الأمريكية في سوريا ببقاء التواجد الإيراني وهذا الربط الأخير بين البقاء في سوريا والتواجد الإيراني هو الجديد فكثيراً ما خرجت تصريحات أمريكية قبل ذلك ربطت البقاء الأمريكي بالقضاء علي داعش ولم تربطه بالتواجد الإيراني من قبل حتي في عز الهجوم علي إيران وترويجها اتهامات بشأن مشاركة مليشيات إيرانية والحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران وحزب الله إلي جانب الجيش العربي السوري في حربه علي الجماعات الإرهابية. الجنرال الأمريكي كينيث ماكينزي أعلن أن الولاياتالمتحدة لا تضع انتصار "نظام الأسد" في الحرب علي سوريا موضع الشك وفي جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي بمناسبة ترشيحه لتولي القيادة المركزية للجيش الأمريكي قال إن الرئيس السوري بشار الأسد يبقي في سدة الحكم فيما تستعد قواته لتطهير محافظة إدلب معقل المعارضة الأخير وأن نجاح "النظام السوري" يبدو أمراً لا مفر منه عملياً. ووفقاً لماكينزي فإن مصالح روسيا في سوريا تدور حول إشهار قوتها في الشرق الأوسط وتقديم نفسها علي أنها دولة كبري تمثل بديلاً قابلاً للحياة عن الزعامة الأمريكية في المنطقة وكذلك الحفاظ علي الوصول الحر والمستقر إلي ميناء علي شاطيء البحر الأبيض المتوسط. وفي سياق ما يبدو استراتيجية أمريكية جديدة فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت قد أمهلت المسارات الروسية للحل حتي منتصف هذا الشهر وهدد جيفري بإنهاء مساري سوتشي وأستانة للمحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة في حال لم يتم تشكيل اللجنة الدستورية وهو ما توصلت له روسيا مع حلفائها إيرانوتركيا بإعلان تشكيل اللجنة مع نهاية الشهر الجاري. في ذات الوقت تدرك موسكو أهمية وخطورة التحركات الأمريكية سواء العسكرية أو السياسية بشأن سوريا عموماً وبخاصة في شرق الفرات وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف حين أعلن مؤخراً بأن أمريكا تقوم بلعبة خطيرة في سوريا وتحديداً شرق الفرات. وكذلك تنفي إيران باستمرار وجود أي قوات لها تحارب في سوريا وتعلن عن وجود لعدد من المستشارين فقط. ويمكن إيجاز مطالب وأهداف أمريكا في شرق الفرات في وقف تمدد الدور الروسي في المنطقة بشكل عام وفي سوريا بوجه خاص وفرض أمر واقع لها علي الأرض السورية بالقواعد العسكرية التي أقامتها حتي يكون لها دور فاعل في أية مفاوضات للحل السياسي وحتي تكون قريبة من الحدود العراقية السورية تحسباً لأية محاولة إيرانية لاستخدام الطريق البري بين دمشق وبغداد لإيصال المعدات العسكرية لحزب الله في لبنان وفي نفس الوقت مقايضة الوجود الإيراني في سوريا وحزب الله والحشد الشعبي وربما الوجود الروسي نفسه بوجودها أي انسحابها مقابل انسحاب أية قوات أجنبية علي الأراضي السورية. وربما يمكن الحل في سوريا في تطور الأوضاع في شرق الفرات.