بكي عليه الشعراء والحكماء والأدباء وتمنوا عودته أو رؤيته بعد أن انقطع الرجاء وعز اللقاء ويفعل الله ما يشاء. تغير الحال من قوة وفتوة وقساوة ووسامة واعتدال قامة وارتفاع هامة إلي أمور تعجز الحروف عن وصفها والكلمات عن شرحها بعد أن رحل الربيع الأخضر الوضاء وترك مكانه صحراء جرداء لا زرع ولا زهر ولا ثمر ولا ماء. سأل شيخ رفيق صباه بعد طول افتراق: - كيف حال الجماعة. - تفرقت. - كيف حال الاثنين. - أصبحوا ثلاثة. - كيف حال البعيد. - أصبح قريباً. أي ان أسنانه تساقطت واستعان بالعصا للمشي وأصبح البصر كليلاً يصل بالكاد إلي ما حول قدميه. وفي الذكر الحكيم وصف بياني رفيع لأحوال المشيب علي لسان زكريا - عليه السلام: "قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا" "مريم 4". وفي الحديث الشريف الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "يسأل الإنسان عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" والعاقل هو الذي يعرف حقيقة الأمر في الدنيا يتحول من ضعف إلي قوة ويعود إلي الضعف مرة أخري في شيبته. يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "23 ه - 40 ه . 599 - 661 م": ذهب الشباب فما له من رجعة وأتي المشيب فأين منه المهرب ضيف المّ إليك لم تحفل به فتري له أسفا ودمعاً يسكب دع عنك ما كان في زمن الصبا وأذكر ذنوبك وابكها يا مذنب ويقول الإمام في قصيدة أخري: شيئان لو بكت الدماء عليهما عيناي حتي يؤذنا بذهاب لم يبلغا المعشار من حقيهما فقد الشباب وفرقة الأحباب والمعشار: العشر. ويقول الإمام الحسن البصري "21 - 110 ه . 642 - 728 م": إذا كان البياض لباس حزن بأندلس فذاك هو الصواب ألم ترني لبست بياض شيبي لأني قد حزنت علي شبابي وكان أهل الأندلس يرتدون الملابس البيضاء في أحزانهم. ويقول شاعر العربية أبو الطيب المتنبي "303 - 354 ه . 915 - 965 م": وما ماضي الشباب بمسترد ولا يوم يمر بمستعاد ويقول المطرب العراقي ناظم الغزالي: عيرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرتني بما هو عار ينسب البعض القصيدة إلي الشاعر العباسي دعبل الخزاعي والبعض الآخر الخليفة العباسي المستنجد بالله. ويقول البيت التالي: إن تكن شابت الذوائب مني فالليالي تزينها الأقمار والذوائب جمع ذؤابة وهي شعر مقدمة الرأس. ويقول الشاعر الحكيم: تولي يا ابنة العم الشباب فلم يغني القريض ولا الخضاب. معني عهد الصبا وأتي زمان له في كل جانحة مصاب فنرجو الله مغفرة وعفوا وسترا يوم ينكشف الحجاب والقريض: الشعر والخضاب: صبغ الشعر بالحناء والجانحة: الضلع القصير في آخر الصدر والسفينة المائلة والحادثة والطائر المصاب في جناحه وقال شاعر آخر: عمري علي السبعين يجري مسرعا والروح ثابتة علي العشرين ويقول الشاعر العباسي أبو العتاهية: أبو اسحاق "اسماعيل بن القاسم" "130 - 213 ه . 747 - 826 م" بكيت علي الشباب بدمع عيني فلم يغني البكاء ولا النحيب فيا أسفا أسفت علي شباب نعاه الشيب والرأس الخضيب عريت من الشباب وكنت غضاً كما يعري من الورق القضيب فيا ليت الشباب يعود يوما لأخبره بما فعل المشيب والغض: النضر والقضيب: الغصن أو فرع الشجرة المقطوع. سمي الشاعر بهذا الاسم لطيشه في شبابه ومعني الكلمة: نقص العقل والتهور والمجون. يقول أبو العتاهية بعد أن تاب وأناب واستقام وعاش حياة الزهد والتقوي: إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني فما لي حيلة إلا رجائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني