لا توجد إعاقة تمنع الانسان من النجاح.. الإرادة الانسانية فوق كل اعتبار ولا حياة بلا إرادة. بهذه الكلمات الموجزة بدأ مذيع القرآن الكريم رضا عبدالسلام حسن حديثه للجمهورية.. قال: إن أخطر ما يفكر فيه أي مسئول أن ينظر لأي إنسان علي أنه معاق ولا يري فيه إلا إعاقته وان كان ضمن الأوائل وان فاز بأفضل المراكز وإن حصل علي درجات لايحصل عليها الأصحاء. * سألته.. من أين أتيت بهذه الإرادة؟ - أجاب إذا أردت أن تعرف قوة الإرادة الانسانية فعليك أن تدرس حياة بعض من يصفهم الناس بالمعاقين.. فالإرادة الانسانية فعلا تتمثل في حياة هؤلاء.. والانسان حين كرمه الله من فوق سبع سماوات وقال: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات.. وفضلناهم علي كثير من خلقنا تفضيلا" لم يكن هذا التكريم بلا إرادة وكثير من العظماء أعتقد الناس أنهم معاقون ولكنهم حققوا إنجازات ونجاحات لم يستطع أن يحققها أكثر الناس صحة.. ولعلنا جميعا نعرف هيلن كيلر التي كانت تمثل الإرادة الانسانية في أروع صورها ولكنها استطاعت التغلب علي إعاقتها وهي صماء بكماء عمياء ولقبت بالمعجزة الانسانية. * ولكن هل توجد في الحضارة العربية والإسلامية أمثلة أخري؟ - أجاب مذيع القرآن الكريم رضا عبدالسلام: نعم مثل عبدالله بن أم مكتوم مؤذن الرسول صلي الله عليه وسلم مع بلال وقد ولاه الرسول صلي الله عليه وسلم علي المدينة مرتين وهو كفيف البصر أثناء خروج الرسول لغزواته. موسي بن نصير فاتح أفريقيا ويعرفه الامام الذهبي بأنه كان شديد العرج.. فكيف أصبح قائدا عسكريا فذا يفتح الله به أفريقيا؟ أسئلة مهمة تحتاج إلي إجابة.. ولكنها تبين إلي أي مدي يمكن للإنسان أن ينجح إذا كان متمتعا بالإرادة الانسانية التي لا تلين. * هل وجدت صعوبات عند التحاقك بالمدرسة؟ - نعم.. صعوبات متعددة في كل مرحلة من مراحل حياتي.. ولكن كان لدي تصميم ألا أستسلم لأي صعوبات لأني أؤمن أن هناك ومضات تشع أنوارا تصنع الأمل للبشرية.. لقد رفض مسئولو المدرسة في القرية التي ولدت بها بكفر الشيخ إبراهيم مركز قويسنا بالمنوفية قبولي بالمدرسة دون سبب معقول غير النظر إلي ما وصفوه بإعاقتي.. ولكن أبي حاول في السنة الثانية بعدما علمني أن أكتب برجلي.. ولكن المدرسة رفضت قبولي أيضا واعتقد المسئولون هناك أني سأكون عبئا عليهم..ولكن أبي أخبرهم أنه يستطيع أن يكتب مثل كل التلاميذ إن لم يكن متفوقا علي بعضهم في الكتابة غير أنهم صمموا علي رفض قبولي بالمدرسة..وأمام تصميمهم وإصرار أبي رحمه الله علي أن يعلمني ذهب إلي وكيل الوزارة بالمنوفية وسأله سؤالا واحدا لو أن هذا ولدك..هل ترضي له أن يتعلم أم لا؟ وكانت إجابة وكيل الوزارة السكوت.. ولم يكن هذا السكوت علامة للرضا ولكنه كان طريقة للرفض..وهنا وضعني والدي علي مكتبه لأكتب اسمي برجلي علي مكتب وكيل الوزارة الذي بدا عليه التردد أيضا.. فقال له والدي إنني سأذهب إلي وزير التعليم.. وإن رفض سأذهب إلي جمال عبدالناصر وكان هذا المشهد في أواخر الستينيات وإلا فإني سأذهب إلي ميدان التحرير ومعي ابني لأطلق النار عليه لأنه إذا لم يتعلم ضاعت حياته.. وهنا أصدر وكيل الوزارة قراره بقبولي بمدرسة كفر الشيخ الإبتدائية فورا. * كيف بدأت رحلة الدراسة؟ - استقبلتني معلمة أفضل استقبال وكانت حافزا لي علي الدراسة وتعب والدي جدا معي..ومازلت أتذكر هذه الأوقات الصعبة عندما كنا نجلس في بيتنا الريفي وأمامنا مصباح يضيء بالكيروسين وأحاول الكتابة بأسناني بعدما صممت المدرسة علي ألا أتخطي الصف الرابع الابتدائي إلا بعد امتحان في الخط واجتيازه بنجاح لا يقل عن أي إنسان عادي. أضاف مذيع القرآن الكريم رضا عبدالسلام حسن.. لقد استطعت فعلا أن أصنع مستقبلي بأسناني وأن أحطم ما وصفوه بإعاقتي في زمن قياسي..وأن يتم اختياري كأحسن خمسة خطوط في المدرسة. أضاف.. لم يكن كل المدرسين علي شاكلة واحدة فكان منهم من يشجعك علي النجاح ومنهم للأسف من يحاول إحباطك..إلي أن انتقلت إلي الثانوية العامة.. وكانت صدمتي الكبري في وفاة والدتي قبل أن أكمل الثانوية.. ولك أن تعرف مدي الهزة التي يصل بها أي بيت يفقد أحد الراعيين ولدي أبي سبعة من الأبناء..ولكن الرجل تماسك وأخذ يشجعني حتي حصلت علي الثانوية العامة وفزت بالمركز العاشر مكرر علي مستوي المحافظة والثاني علي مستوي المركز..وأصبحت جميع الكليات الأدبية مفتوحة أمامي ولكني فضلت دراسة الحقوق واستطعت الحصول علي الليسانس بتقدير جيد. * كيف عملت في إذاعة القرآن الكريم؟ - ذهبت إلي الكاتب الصحفي الكبير المرحوم عبدالوهاب مطاوع صاحب الباب المشهور بريد الأهرام وكان لقاء ممتعا أثر كثيرا في حياتي حيث أرسلني إلي قيادة إذاعية كبيرة فسألني أنت جاي تشتغل إيه؟ فأجبته علي الفور أريد أن أعمل مذيعا.. فالتحقت بالتدريب أنا و37 من زملائي وكان مركزي الثالث علي المجموعة وفوجئت بإبعادي تماما عن الميكروفون وتعييني أخصائي متابعة برامج. أضاف المذيع رضا عبدالسلام وكانت صدمة لي فطلبت مقابلة القيادة الإذاعية الكبيرة وقلت له لماذا لاتري في شخصيتي إلا ذراعيّ المبتورين وفوجئت به يقول لي اطلع بره.. وكان الرجل في اليوم الأخير له في القيادة وليس في الإذاعة.. وهنا تلقفني الأستاذ أمين بسيوني وأنا محبط ليرسلني إلي إذاعة وسط الدلتا. كانت رحلة شاقة حيث طلبت مقابلة الأستاذ حلمي البلك وكان رئيسا لإذاعة صوت العرب فعرفته بنفسي وطلبت منه اجراء امتحان لي كما يفعلون مع كل الناس وأخبرته بأن لدي قسطا وافرا من الثقافة العالية وصوتا مسموعا يليق بالإذاعة وأستطيع أن أفعل كل ما تريدون بما في ذلك الكتابة ومسكت القلم بأسناني وكتبت خطا رائعا..وهنا أصر الأستاذ البلك رحمه الله علي اجراء امتحان لي وقال ابعدوا عنه أي إنسان يحاول أن يوصله إلي مرحلة اليأس وعقب النتيجة كتب بخط يده ينقل فورا مذيعا بإذاعة القرآن الكريم لأكون أول مذيع هواء بهذا الشكل. * حدثني عن مسيرتك في إذاعة القرآن الكريم والصعوبات التي واجهتها؟ - قال المذيع رضا عبدالسلام..كانت مسيرة رائعة طوال 25 سنة لم يحدث فيها خطأ واحد ونقلت أداة التحكم في الميكروفون من أمامي إلي الأسفل بالقرب من قدمي.. بدأت ببرنامج قطوف من السيرة النبوية لمدة 15 سنة وبعده مع الصحابة لمدة 3 سنوات ونقلت الحج علي الهواء من المشاعر المقدسة لفريضة الحج سبع سنوات ونقلت مسابقات أخري دولية للقرآن الكريم وطفت في مسيرة كبري مع أعلام الفكر والفقه والتفسير أقدمه برنامجا حتي الآن في التاسعة والنصف مساء كل يوم.. 4 آلاف ساعة إذاعة علي الهواء أقدمها بين يدي الله ليرضيا عني وتكون لي نورا يوم الدين.