سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رضا عبدالسلام.. منعوه من دخول الإذاعة لضمور ذراعيه.. فأصبح كبير مذيعى «القرآن الكريم» قدم عشرات البرامج التاريخية.. أبرزها «مساجد لها تاريخ» و«قطوف من السيرة» و«مع الصحابة».. ثم أهدى رسالة إلى العالم ب«وبشر الصابرين» لتكون صكاً للتعامل مع الحياة
لم يبرح الحلم قلبه، إيمانه بقدراته وثقته بتوفيق الله أعاناه على مناورة الحياة وتحويل كل ضائقة إلى إنجاز، لم يرفض الاعتراف بإعاقته بل أقر بأنها سر الإبداع فى رحلته. لحظات من الانتظار، الأب ينتظر البشرى بقدوم ابنٍ يكون سنداً له فى كبره ويأخذ نصيبه من الأحلام، الفرحة والزغاريد تنقلب إلى صمت، حيث يفاجأ الجميع بولادة طفل يعانى من ضمورٍ تام فى ذراعيه، فما كان من الأب المكلوم إلا أن صلى ركعتين شكراً لله، وما كان ليتوقع أن هذا الطفل المبتلى سيكون يوماً «رضا عبدالسلام، كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم». عام يمر على ولادة الطفل، ومبشرات ذكائه تتزايد، الطفل يزحف على رجليه وما تبقى من ذراعيه الضامرتين، تفاعله مع الحياة يزداد شيئاً فشيئاً «لدرجة إنهم كانوا بيعتبرونى أشقى عيل فى العيلة كلها»، فيصر أبوه على معاملته ككل إخوته ويلحقه، وهو فى سن الرابعة، بالمدرسة ليبدأ رحلة تعليمه. «وده هيتعلم ازاى وإيده مقطوعة؟!»، أول كلمات خرجت من فم ناظر المدرسة الابتدائية التى تقدم لها «رضا» لتكون أول سطرٍ فى أوراق اعتماد قصة تحديه، لم يتوقف والده كثيراً عند سؤال يحمل نهاية مستقبل طفلٍ فى قرى الأرياف ظن الكثيرون أن مساعدة أبيه فى العمل أنفع له من العلم، فعلّمه أن يضع القلم بين أصابع قدمه ويصيغ الحروف بخطٍ لا يكاد يفرق عن نصوع الورقة البيضاء شيئاً، ولكن فطرة طفلٍ صغير استوعب إعاقته حملت حل المشكلة: «مسكت القلم وحطيته بين سنانى واتحكمت فيه بكل قوتى، وبدأت أكتب، وانا فى تانية ابتدائى كنت أحسن خط فى زمايلى كلهم». يكبر الطفل والأحلام تراوده، يتجاوز «رضا» المرحلة الإعدادية ثم يتخطى الثانوية «بمجموع 86%»، ويلتحق بكلية الحقوق فيلفت إليه كل الأنظار ويحقق المركز الثالث على دفعته فيضيع أمله فى التعيين معيداً بالكلية، فيستبدل به حلم الانضمام إلى الإذاعة بسرعة البرق: «طلبت من الراحل عبدالوهاب مطاوع إنه يوصلنى بالإذاعى فهمى عمر عشان يجربونى، وكان أول كلمة قالهالى أول ما شافنى: إنت جاى تعمل إيه؟ رديت بثقة: عايز أبقى مذيع». الترقب يسود المشهد، صفوة من جهابذة الإذاعة يتبارون فى اختبار قدراته، يسمع الشاب صدى صوته متألقاً يضوى: «إذاعة القرآن الكريم من القاهرة»، إلا أن النقاب ينكشف عن نتيجة أعلنت إطلاق صافرة إنذار بداية المعركة: «لما دخلت امتحان الإذاعة حسيت إن فيه حاجة مش كويسة بتترتب لى، رغم إن الأساتذة اللى دربونى قبل الامتحان كانوا متوقعين إنى هاتقبل مافيش كلام، لكن فوجئت بإنى إتعينت فى إذاعة وسط الدلتا الإقليمية». عام ونصف العام يجهز فيها «رضا» كل أسلحته لخوض حربٍ مع من سرقوا حلمه، يحصل على دورات فى الإلقاء الإذاعى، وشهادات إجادة فى اللغة العربية، حتى حانت لحظة المواجهة: «لما دخلت للإذاعى عبدالفتاح البلك، رئيس لجنة امتحان المذيعين، وقررت إنى أبطل كل حججهم، مسكت القلم فى بقى وكتبت، وكنت لابس جاكت قلعته ولبسته تانى، وكان فيه باب جامد ما يتفتحش بسهولة قمت وفتحته، لقيته بيقولّى: هتمتحن زى أى حد». المشهد يتكرر من جديد، أعباء الخوف من فقد الحلم تثقل على نفسه مثقال الجبال، النتيجة تظهر ب«قبول رضا عبدالسلام حسن مذيعاً للهواء بإذاعة القرآن الكريم»، فينقلب العبء إلى سكينة، وينقلب ضيق الصدر بالظلم إلى شعور بلذة الانتصار على الظالمين. لم تنته رسالة الإذاعى رضا عبدالسلام عند تحديه لإعاقته، ولكنه أراد أن يوصلها، لتكون صكاً للتعامل مع الحياة، ومن هنا أتت له فكرة برنامج «وبشر الصابرين»، الذى ظل يقدمه لأكثر من 10 أعوام: «مش صحيح إن الإنسان يرفض الاعتراف بإعاقته، لكن يوقن إن عنده إمكانيات تتيح له إنه يستعيض عنها بحاجات كتير يحقق بيها ذاته». قدم «عبدالسلام» عشرات البرامج التاريخية بإذاعة القرآن الكريم، أبرزها «مساجد لها تاريخ» و«قطوف من السيرة» و«مع الصحابة»، بجانب تغطيته لوقائع الحج عام 2006، وتغطيته لأكبر مسابقات القرآن الكريم العالمية بدبى، بالإضافة إلى تغطيته لمناسبة الإسراء والمعراج مباشرة من المسجد الحرام عام 2001، حتى صار كبير مذيعى إذاعة القرآن الكريم، ليصبح نموذجاً حياً للإرادة الصادقة التى تجسد حب الحياة ببلائها، وتحدى النفس حين تخور قواها.