لابد أن تعترف الحكومة في شجاعة بأنها انشغلت خلال السنوات الماضية عن الأسواق وأن الأجهزة الرقابية في مصر رغم تعددها وتنوعها لم تستطع ملاحقة ومعاقبة الغشاشين والمزورين والفاسدين ومعدومي الضمير الذين لا يهمهم إلا الربح المادي ولو علي حساب صحة وسلامة المصريين. الغش التجاري في مصر لم يعد مشكلة بل أصبح كارثة حيث تكتظ الأسواق بالسلع والمنتجات الغذائية الرديئة والفاسدة التي تستنزف ما تبقي في جيوب محدودي الدخل والنتيجة الحتمية لاستهلاك هذه المنتجات الرديئة الإصابة بالأمراض الخطيرة لو كانت غذائية. أو التعرض لحوادث وكوارث لو كانت قطع غيار سيارات أو درجات أو غير ذلك من المعدات التي تسير علي الطرق وتهدد حياة ركابها وغيرهم. صحيح أن الحكومة تحركت خلال الأسابيع الأخيرة لمطاردة الفاسدين من التجار وأصحاب المطاعم ومصانع منتجات اللحوم الفاسدة وأعدمت كميات من هذه اللحوم كانت في طريقها إلي بطوننا لتخريب وتدمير ما بقي لنا من صحة.. لكن لا يزال الغشاشون والفاسدون يروجون لمنتجاتهم الغذائية والصناعية الفاسدة دون ملاحقة حقيقية ودون توقيع العقاب الرادع عليهم. لا ينبغي أن يزعم مسئول أن الحكومة مشغولة بما هو أهم خلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. لأن متابعة الأسواق وضبط إيقاعها وفق القوانين الضابطة لها مسئولية أجهزة كثيرة رفعت شعار "النوم في العسل" منذ قيام ثورة يناير تحت مبررات واهية وتركت معدومي الضمير يمارسون كل صور الغش والتزوير دون مواجهة حقيقية وعقاب رادع. * * * كارثة الغش التجاري في مصر تحتاج إلي وقفة لأن عدم ملاحقة الغشاشين والمزورين والفاسدين ومحترفي جمع المال الحرام من المنتجين والتجار أدت إلي شيوع الغش في العذاء والصناعة والتجارة وامتلاء الأسواق بالبضائع المغشوشة والمقلدة والرديئة والمواطن يصرخ بأعلي صوته من الطعام الفاسد والدواء المغشوش والملابس الضارة بالصحة. والأجهزة والمعدات المقلدة التي تشكل خطراً كبيراً علي حياته وحياة أبنائه. وهنا لا ينبغي أن تركن الحكومة إلي جهود جمعيات حماية المستهلك الموجودة في بعض المحافظات. لأن هذه الجمعيات بلا صلاحية وبلا نفوذ ولا تستطيع وحدها أن تعاقب فاسداً أو منحرفاً من المنتجين أو المروجين للسلع المغشوشة ولاتزال جهودها محدودة للغاية. وتدخلاتها لدي محترفي الغش بلا فاعلية. منذ أيام اتصلت شركة شهيرة متخصصة في صناعة اكسسوارات البيوت وتبيع منتجاتها بأعلي الأسعار وتدعي أنها تضمن ما تنتجه مدي الحياة. وطلبت من مسئولة خدمة العملاء بها معاينة منتجاتهم التي اشتريتها منذ فترة وجيزة وظهرت بها عيوب تؤكد غش وتزوير هذه الشركة ولم أجد منهم إلا مماطلة وتهرباً من المسئولية وعبارات تحمل معني "اضرب دماغك في الحيط" ولو علم هؤلاء أن هناك أجهزة رقابية تحاسبهم لما تصرفوا بهذا الشكل ولسارعوا إلي إصلاح العيوب أو استبدال المنتجات المضروبة. * * * مراقبة الأسواق ومصادرة المنتجات الغذائية الفاسدة والصناعية الرديئة لا تحتاج سوي أن تتحرك الأجهزة الرقابية بوزارات الداخلية والتجارة والصناعة والصحة لتأدية واجباتها الوظيفية وملاحقة الغشاشين والمزورين. وتوقيع العقاب الرادع عليهم. لا نحتاج إلي أجهزة رقابية جديدة فلدينا جيش من الرقباء الذين يستطيعون ضبط الأسواق وملاحقة الغشاشين في كل المواقع.. وهنا لا يحق لجهاز رقابي أن يدعي أن الحالة الأمنية لا تسمح. لأنه يتعامل مع منتجين وتجار وأصحاب مطاعم وليس مع إرهابيين. هذا المبرر غير المقبول أدي إلي خمول الأجهزة الرقابية في مصر خلال السنوات الخمس الماضية وأدي إلي انتشار الفوضي في الشوارع وأصبحت خارج السيطرة وفتح الطريق أمام محترفي الغش في الطعام والشراب فضلاً عن منتجات بير السلم في كل شيء حتي الأدوية التي نعالج بها أمراضنا تعرضت للغش والتزوير. ينبغي أن يعلم كل العاملين في الأجهزة الرقابية أن الغشاش أو المزور أو المنتج الفاسد ضعيف وهزيل وليس لديه حيلة أو وسيلة سوي إغراء ضعاف النفوس من الذين تسربوا إلي أجهزة مراقية الأسواق بالمال. وهؤلاء يجب التخلص منهم فوراً فلا ينبغي لفاسد أن يراقب فاسداً. تطهير الأجهزة الرقابية من الفاسدين أمر مهم للغاية وهذه مسئولية الحكومة.