مصر وأثيوبيا "2" ومازلنا مع العلاقات المصرية الاثيوبية.. مع الدولة الشقيقة التي تربطها بمصر علاقات أزلية.. لم تؤثر فيها أبدا سحابات صيف من الفتور او الخلاف في وجهات النظر.. سرعان ما تنقشع.. وتعود علاقات الإخاء والود والصفاء بين مصر وأثيوبيا الي سابق عهدها.. حيث لاغني لاحداهما عن الأخري.. كما يعبر عنه دائما الرئيس السيسي.. والدولتان تعومان معا او تغرقان معا كما يقول الرئيس ديسالين.. وكيف لا.. وفي التاريخ القديم في صدر الاسلام.. حين رغب بعض المسلمين الاوائل في الخلاص من إيذاء وتنكيل مشركي قريش.. واستعدوا للهجرة من مكة لم يجدوا في كل البلدان المجاورة من يأمنون فيها علي أنفسهم وعلي عقيدتهم غير الحبشة.. وعلي ذلك اقرهم رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا:"ان فيها ملكا لايظلم عنده أحد".. هذا في التاريخ البعيد أما في التاريخ الحديث فقد توثقت أواصر حسن الجوار والمودة والإخاء بين مصر وأثيوبيا.. ووضح ذلك جليا في المجالات الدينية والثقافية والتعليمية.. ولأنه منذ هجر المسلمون الأوائل الي الحبشة "أثيوبيا" سادت فيها الديانتان السماويتان المسيحية والاسلام.. وكما هو الحال في مصر يعيش اتباع الديانتين المسيحية والاسلام في مودة وسلام وصفاء ووئام.. ويشير التقليد الكنسي الي أن أول من بشر بالايمان بالسيد المسيح "عليه السلام" في أثيوبيا.. في القرن الاول الميلادي هو "متي الرسول".. ولكن المسيحيين لم يكثروا الا في القرن الرابع الا بسبب من كان يتردد عليها من التجار المصريين.. ومنهم "فرومنيوس" المصري الذي كان يتاجر في "صور اللبنانية" وعلي يديه اعتنق المسيحية ملك "اكسوم" وتبعه في ذلك رجال البلاط.. ثم اخذت المسيحية في الانتشار بين افراد الشعب.. وفي عام 330م عاد فرومتنيوس الي مصر. وأخبر بابا الاسكندرية "اثناسيوس" أنه أقام كنيسة في الحبشة.. وانه ترجم الكتاب المقدس الي اللغة الحبشية فرسمه البابا اسقفا.. وليكون أول أسقف رسمي للكنيسة القبطية الحبشية.. واستمر تعيين اساقفة الكنيسة الحبشية من قبل بابا الكنيسة المصرية.. الي ان انقسمت علي مراحل انتهت الي استقلال الاثيوبية تماما عام ..1959 وهكذا تميزت العلاقات الثقافية بين مصر واثيوبيا "الحبشة سابقا" لأنها كانت مركزة في الثقافة الدينية. عقيدة وسلوكا حيث كان المطران المصري يرأس الكنيسة الاثيوبية وهو الذي يتوج الامبراطور.. وهو الذي يعين القسس المنتشرين في كافة أرجاء البلاد.. يرشدون الناس.. ويبرمون عقود زواجهم.. ويعمدون أولادهم.. ويصلون علي موتاهم.. ويعرفونهم الحلال والحرام في كل شئون حياتهم.. وهكذا كان المجتمع الاثيوبي. دينيا واجتماعيا وثقافيا متأثرا بطقوس وعادات وتقاليد وثقافة الكنيسة المصرية.. هذا وبطلب من الامبراطور "منيليك الثاني".. أوفدت الكنيسة المصرية بعثة تعليمية من المدرسين الأرثوذكس.. عين الامبراطور اثنين منها في مدرسة افتتحها في مقاطعة "هرر" سنة 1907 وفي سنة 1908 افتتحت مدرسة منيليك الثاني وكان من بين تلاميذها اثنان توليا العرش من بعد وهما: لدج ياسو وتفري "هيلاسلاسي" وتقديرا لجهود المدرسين المصريين انعم الامبراطور علي رئيسهم بنيشان كوكب سليمان. وعينه مديرا للتعليم في أثيوبيا.. كما كلفه باختيار مدرسين مصريين جدد للتعليم في المدارس الاثيوبية المقترح افتتاحها. وبالفعل تم اختيار بعثة جديدة وجري توزيعهم علي كافة المدارس الجديدة والقديمة علي السواء.. كما اهتمت وزارة المعارف المصرية باختيار مدرسين مصريين ذوي كفاءة عاليه في بعثة تعليمية مصرية إلي أثيوبيا.. ولأهمية هذه البعثة استقبلها الملك فؤاد الأول.. وأوصي اعضاءها بتدعيم وتقوية هذه الرابطة الجديدة بين مصر وأثيوبيا.. ثم استقبلهم ثروت باشا رئيس الوزراء.. وكان فيما قاله لهم: "نسعد: أننا أولي من الأوروبيين بأن تبث آدابنا وعلومنا في بلاد اثيوبيا التي لنا بها علاقات تاريخية.. ثم استقبلهم وزير المعارف علي الشمسي باشا وكان من بين ما قاله لهم: "ان حكومة مصر يهمها ان تظل العلاقات بين أثيوبيا والكنيسة المصرية متينة وثيقة.. وفي ابريل 1928 وصلت البعثة التعليمية الي أثيوبيا واستقبلتهم الامبراطورة وبعد ان رحبت بهم دعتهم الي ان يعتبروا انفسهم وهم في أثيوبيا كأنهم بين أهليهم في مصر وأظهرت استعدادها لتقديم كل مساعدة لهم.. كما عاملهم ولي العهد "هيلاسلاسي" بكل تكريم ولطف.. وقد تولت البعثة المصرية ادارة مدرسة منيليك الثاني كما أسهمت بالتدريس في كافة المدارس الاخري. "والحديث موصول بإذن الله"