الدكتور رمضان توفيق رمضان عبيد وشهرته "يوسف عبيد" ممثل وفنان قدير بالبيت الفني للمسرح. كما عمل مساعد إخراج ومخرجاً منفذاً ومثل أعمالاً كثيرة بالإذاعة والتليفزيون وعضو ممثل بالمسرح الحديث ويقوم بالتدريس بالمعهد العالي للنقد الفني لمواد جديدة استحدثها هو مثل "اقتصاديات الثقافة والتخطيط والإدارة الثقافية وعلم نفس تسويق ثقافي وتنمية ثقافية ميدانية" وحاصل علي الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد ولندرة تخصصه وعلاقته بالثقافة والمسرح كان من الحتمي إجراء هذا الحوار معه.. ** منذ متي طرأت في ذهنك فكرة الربط بين الثقافة والتنمية؟ * قال منذ عام 2005 وبعد أن انتهيت من دراسة دبلوم الدراسات العليا وفي مرحلة تمهيدي الماجستير كنت دائماً عندما أقرأ في كتب الاقتصاد والتنمية أجد بعض اللمحات التي تشير إلي الثقافة حتي ما جاء علي لسان أبو الاقتصاد "آدم سميث" أن الثقافة عامل مساعد للتنمية إلا أن هذه المقولة ونظراً لطبيعة عملي بالمسرح المصري وارتباطي الدقيق بهذا المجال منذ عام 1982 وجدت أن الثقافة ليست عاملاً مساعداً وإنما هي أساس لتنمية أي مجتمع وعليه كان اختياري لموضوع "الثقافة وآثارها علي التنمية" منذ 2006 حتي خرج 2009 في كتاب نشر بنفس الاسم. ** إذن ما مفهوم الثقافة بالنسبة لك؟ * للثقافة الكثير من التعريفات والمفاهيم وقد وضعت لها تعريفاً في كتابي هو بالنسبة لما ورد من تعاريف يعد رقم "151". ولكن قبل أن أذكر هذا التعريف أود أن أفرق بين المفهوم الخاطئ للثقافة لدي الكثير من الناس وقد يصل إلي المتخصصين فمعظمهم يربط معني الثقافة بالمعرفة والقراءة والاطلاع وهذا خطأ لأن الثقافة هي نتاج القراءة والمعرفة والاطلاع أو مشاهدة مسرحية أو فيلم أو برنامج إعلامي. لأن الفرد من الممكن أن يقرأ ويتعلم ويظل علي حاله غير مثقف لأنه لم يكتسب من المنتج الثقافي قيمة أخلاقية تؤثر في سلوكه العملي وهذا ما جاء في تعريفي للثقافة وهي "مجموعة القيم والعادات والتقاليد التي تؤثر في سلوك الفرد داخل المجتمع هذا السلوك يؤثر علي تنمية المجتمع إما بالسلب أو الإيجاب". ** وكيف يمكن الوصول إلي ذلك وتحقيق هذا المفهوم للثقافة. * قال د.يوسف عبيد هناك مجموعة من الأدوات الثقافية هي المسئولة عن ذلك. أولاً: اللغة التي نتواصل بها بين بعضنا البعض ومين الآخر حتي نصل إلي الأسلوب الأمثل في التواصل ونقل هذه القيم. ثانيا: الأسرة وهي النواة الحقيقية لتربية وتهذيب الفرد داخل المجتمع حتي يكون علي قدر من الثقافة التي تؤهله لإصلاح نفسه ومجتمعه. ثالثا: التعليم بجميع مراحله المختلفة وما يحتويه الكتاب المدرسي أهمية في إرساء القيم الثقافية في سلوك الفرد فبجانب تعليم الطب مثلاً وكيف يقوم الطبيب بمعالجة المريض وكيف يمسك بمشرطه. وكذا المدرس كيف يمسك بقلمه لابد من تعليم القيم قبل تعليم المهن هنا تستطيع أن تبني مجتمعاً راقيا. ثم تأتي مجموعة من الأدوات الهامة جداً للأسف نعتبرها في حياتنا اليومية مجرد وسائل للترفيه إلا أنها في غاية الأهمية لصقل الفرد بالقيم الثقافية اللازمة لتنمية المجتمع هذه الأدوات هي المسرح: حيث يعد المسرح من أهم الأدوات الثقافية حيث يكون التواصل مباشراً بين المؤدي والجمهور ويكون التأثير القيمي مباشراً أيضا في سلوك المتفرج. ولنا في مسرح الستينيات الكثير من النقاط الايجابية التي ساعدت علي إرساء قيم المواطنة وحب العمل والبناء حتي ينهض المجتمع. السينما: هذه الأداة الأكثر تأثيراً علي سلوك النشئ والشباب وهم نواة المستقبل للتنمية فأثر العمل السينمائي ينتشر بسرعة الضوء في سلوك الفرد نظراً لمحاولة الشباب الامتثال بالبطل وأيضا لنا الأسوة في سينما الستينيات عندما ظهر "الأسطي حسن" ومدي أهمية العمل المهني في تنمية المجتمع وغيره من الأفلام الكثير. والإعلام : هذا الوافد الذي يدخل إلي بيوتنا دون استئذان أو طرق للأبواب ومدي الإلحاح لبعض المفاهيم التي تغرس في سلوك الفرد والتي لها الأثر الكبير في تنمية المجتمع بالاضافة إلي المستحدث الجديد وهو الإنترنت. ** سألته هل مفهوم الثقافة ينضوي تحت الثقافة الإسلامية؟ * قال د.عبيد جاء الإسلام وكانت قريش لها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها بمفهوم أوسع جاء الإسلام وللعرب ثقافتهم بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات فما كان من الإسلام إلا أن قام بتنقية هذه السلبيات. وأكد علي القيم الأخلاقية الحميدة. فقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فالدين يعني مكارم الأخلاق في الإخلاص في العمل واتقانه والمحافظة علي سلامة الفرد ونفسه وماله وعرضه فكان شكل المسلم "من سلم المسلمون من لسانه ويده" وجاء بثقافة الإعمار وهي التنمية وبذلك انصهرت الثقافة العربية مع الوافد الجديد الذي حرم قتل النفس والرق والزنا والربا لإصلاح المجتمع. هنا تكون الثقافة بمفهومها الشامل الحقيقي دون مغالاة في المفهوم الإسلامي أو الإفراط في المفهوم المجتمعي الذي يعج بالكثير من المفاهيم والأفكار. ** تعاني الحركة الفنية والثقافية في مصر منذ فترة من ندرة وقلة الناقد الفني الحقيقي. هل أدي ذلك إلي انحدار في العمل الفني والقيمة الثقافية؟ * الناقد الفني لابد أن تتوافر فيه مجموعة من الصفات فبجانب دراسته لنظريات النقد في المسرح والموسيقي والسينما والفن التشكيلي والأدب الإنجليزي لابد وأن تتوافر لديه الموضوعية والأمانة والحياد والشفافية وهي جميعها مجموعة قيم لابد وأن تتوافر في سلوك من يقوم بالنقد فهو بمثابة القاضي الذي يحكم علي العمل الفني لذا لابد وأن يراعي ضميره في عملية النقد هذه. ** ما السلبيات التي تواجه الثقافة حالياً؟ * قال هناك محوران الأول: القائم علي الثقافة ومدي توافر الشروط التي يجب أن تتوافر فيه لتولي هذه المسئولية فيجب البعد عن الإدارة بالثقافة دون الكفاءة ولكن يجب البحث عن من هو لديه الكفاءة والثقة معا وأن يكون أميناً علي هذا البلد لأن يدير أهم حقيبة من حقائب المسئولية وهي بناء الفرد تنموياً حتي يصبح مواطناً صالحاً لمجتمعه لديه انتماء لوطنه قادر علي العطاء كل هذا يأتي من خلال التوظيف الجيد لأدوات الثقافة. ** هل يمكن تحقيق العدل الاقتصادي عن طريق الثقافة؟ * نعم كما ذكرت لابد من بناء الفرد حتي نصل به إلي النموذج الأمثل من الفرد الذي يحمل ثقافة إنتاج. وثقافة استهلاك وكذلك ثقافة ادخار وتنمية كل ذلك من خلال ما يكتسبه من قيم تغرس في سلوكه من أدوات الثقافة المختلفة. ولكن هناك مجموعة من المقومات لتحقيق هذا العدل الاقتصادي الذي من الممكن أن تقول عليه "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية" أولها علي مستوي الفرد وهو يتمثل في أن يكون الفرد قادراً علي استحسان الشيء الحسن فيستحسنه ويقوم بعمله ويستقبح الشيء القبيح فيتجنبه. وأن يكون لديه القدرة والوعي والثقافة التي تؤهله لتحليل ما يرد إليه من متغيرات لمعرفة ما يضره وما ينفعه. والعمل علي وجود علاقة اجتماعية وترابط مجتمعي قائم علي الاحترام المتبادل. ثانيها علي مستوي الدولة والتي يجب أن تعمل علي تحقيق العدل الشامل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والقضاء علي المحسوبية وأن يشعر المواطن بالأمان التام في مجتمعه مما يشجع علي الاستثمار وإقامة المشروعات. والمحافظة علي الموارد والثروات وتسليمها من جيل إلي جيل حتي تحقق التنمية المستدامة. ** كيف تري مستقبل مصر الثقافي؟ * ستظل مصر هي الرائدة لما لديها من تراث ثقافي عريق إن أحسنا استخدامه سوف يتحقق لنا نمو اقتصادي بدرجة مرتفعة جداً وهذا يحتاج إلي موضوع مستقل فالتراث الثقافي المصري هو ثروة حقيقية لا تقل أهمية عن المشروعات الكبري اللازمة لتنمية المجتمع لذلك لست قلقاً علي مستقبل مصر الثقافي ولكن نحتاج إلي بعض المقومات لنحافظ علي هذا الريادة أولها إخلاص التنمية والعمل باتقان وتفان وإصلاح المنظومة الإدارية والتوظيف الجيد للإمكانيات المتاحة لدينا من عناصر الإنتاج اللازمة للعمل الثقافي سواء من خلال المسرح الخاص بالدولة وأقصد منها البيت الفني للمسرح. والبيت الفني للفنون الشعبية. وكذا الثقافة الجماهيرية أن الهيئة العامة لقصور الثقافة وما لها من أهمية قصوي في بناء الفرد علي مستوي الجمهورية وكذلك مراكز الشباب والأنشطة المدرسية والجامعية كل هذه الأدوات من الممكن أن تعود إلي حالتها الصحية ببعض الجهد ولكن لابد وأن يكون هذا الجهد علي أسس علمية سليمة في توظيف الإمكانيات واختيار القيادات اللازمة لتحقيق هذا الهدف الذي أصبح ضرورياً جداً في ظل المتغيرات العالمية فلم تعد الحروب مجرد آلات حربية فقط بل أصبحت الحروب ناعمة من خلال ثقافات الشعوب واستغلال الفقر الثقافي في غزو الدول صاحبة الموارد لاضعافها والسيطرة علي شبابها فكرياً وثقافياً حتي تم السيطرة والهيمنة علي ثروات هذه الأمم. ** ماذا عن آخر أخبارك المسرحية؟ * نحن نعاني هذه الأيام فلم تسند إلينا أعمال رغم اننا أبناء البيت الفني للمسرح ورغم الأعمال الكثيرة إلا أن هناك حالة من التجاهل المتعمد وهنا يجب أن يكون هناك دور للنقابة في عملية التشغيل وفي نفس الوقت أستغل معظم الوقت للقراءة والتدريس.