حتي العام 1949 كانت هناك محاولات متعددة لطرق باب الثقافة السينمائية في مصر. يشهد التاريخ لأصحابها بصدق محاولاتهم. وفي الوقت ذاته يشهد هذاالتاريخ علي نهايات هذه المحاولات. كما هو الشأن بالنسبة لأكبر أنشطة الثقافة السينمائية وأوسعها وهو "نادي السينما بالقاهرة" "1968-1994". غير ان ظاهرة الثقافة السينمائية الأطول عمراً في مصر.تتمثل في تلك المنظومة المتناغمة المعروفة باسم "المركز الكاثوليكي المصري للسينما "1949" ومهرجانه السنوي للأفلام المصرية "1952"» بما كان من شأنه ان يشكل دافعاً قوياً للبحث في تأصيل تاريخ هذه المنظومة وفعالياتها المتنوعة من خلال كتابنا الذي صدر في العام 2000 وعنوان: "المركز الكاثوليكي المصري للسينما وخمسون عاماً من الثقافة السينمائية". وقد ذكرت في خاتمة هذه الدراسة بالنص: "أعتقد أننا نستطيع أن نضع أغلب محتويات فصول الكتاب السابقة تحت عنوان آخر فرعي وهو: تاريخ الأب الروحي للثقافة السينمائية في مصر"» بما يشير بوضوح الي دور المؤرخ والناقد السينمائي "فريد المزاوي" "1913-8819". وتشير الوثائق إلي ان "المزاوي" بدأ يهتم بالثقافة السينمائية في بداية احترافه للعمل في مجال الأفلام السينمائية القصيرة. وكان في وقتها سكرتيراً لمجلس ادارة اتحاد السينمائيين أيضاً. كما كان علي اتصال بالمركز الكاثوليكي الدولي للسينما "تأسس في 1928" في الوقت الذي كان فيه الراهب الفرنسيساني "الأب بطرس فرانزليديس" يهتم بفكرة الثقافة السينمائية. وهو يؤسس مكتبة للأفلام 16مم في الاسكندرية. لينتهي الأمر بتعاون الاثنين في تأسيس "المركز الكاثوليكي المصري للسينما" في يونية 1949. استناداً إلي رؤية فلسفية مشتركة. يلخصها "المزاوي" في قوله: "المراكز الكاثوليكية للسينما حول العالم مؤمنة بأن تشجيع الفيلم الجيد ومصادقة السينمائيين. أجدي من محاربة الأفلام السيئة مع ضرورة توجيه السينما نحو الأعمال الصالحة. وهو مانري أنه أمر يتضمن تشجيع جمهور مشاهدي الأفلام علي مشاهدة ما ينحو منها إلي تعزيز القيم الانسانية بصفة عامة. والحقيقة ان "فريد المزاوي" لا يكتفي بمجرد تأسيس المركز الكاثوليكي بغرض مشاهدة الأفلام في اطار من التذوق الراقي للفنون في علاقتها بالقيم الانسانية المشتركة بين البشر. وإنما يتجاوز ذلك بالكثير من أنشطة الثقافة السينمائية الجادة الأخري» لتحقيق أهداف المركز من خلال وسائل متعددة مثل إصدار المطبوعات المختلفة منها: البطاقات التوثيقية للأفلام. والمنشورات الأسبوعية. وكراسات الدراسات السينمائية ومجلدات الدليل السنوي للأفلام المصرية. ونشرة دليل الفنون. والبيان السنوي عن القيم الأخلاقية للأفلام الأجنبية ونشرات المهرجانات. والكتب المختلفة مثل "السينما والتربية" و"الكنيسة والسينما" كما قدم "المزاوي" من تأليفه كتب: "مباديء العلوم السينمائية" 1959. و"السينما المصرية" 1963. و"السينما في جمهورية مصر العربية 62-1973". فضلاً عن ظهور اسم "المزاوي" علي عدد من الكتب السينمائي كمترجم لها أو مراجع لترجماتها. واذا كان "فريد المزاوي" لم يسهم في تاريخ الثقافة السينمائية في مصر إلا بتكوين أرشيف منتظم متكامل لأفلام السينما المصرية وصناعها. من خلال ملفات بياناتها والكتابات عنها. فإن ذلك كفيل لوضع "المزاوي" علي رأس قائمة صانعي هذا التاريخ. كما يعتبر "المزاوي" الأب الروحي الفعلي للنوادي السينمائية في مصر. بمسمياتها المختلفة "نادي- ندوة- منتدي- جمعية... إلخ" فبعد ان أسس "نادي الفيلم بالمركز الكاثوليكي للسينما. ألحق به عدداً من الأنشطة الممتدة. ومنها نواد للسينما في بعض الأحياء القاهرية "الزمالك- الفجالة- شبرا- مهمشة". وفي عام 1954 أسس نوادي للسينما للأطفال "نادي سندريللا- نادي توم بوس" فضلاً عن عروض سينمائية خاصة ينظمها "المزاوي" في المدارس وتجمعات الأطفال في النوادي الاجتماعية. كما يمتد نشاط "المزاوي" في هذا المجال ليؤسس كلاً من "نادي سينما لوميير" في دار سينما "مترو" و"نادي سينما كمال سليم" في دار سينما "كايرو" بالقاهرة. لذلك يكون من الطبيعي والملائم أن يتم تكليفه بتأسيس أول ندوة سينمائية تابعة لمصلحة الفنون عام 1956. وهي "ندوة الفيلم المختار". التي كانت بمثابة الأساس لجمعيات الأفلام ونوادي السينما في مصر "جمعية الفيلم 1961. نادي السينما بالقاهرة 1968... إلخ". ولذلك فانه ليس بكثير علي من هو مثل "فريد المزاوي" أن يتم تكريمه حياً. من خلال عدد من شهادات التقدير والجوائز والأوسمة واعتباره الأب الروحي للثقافة السينمائية في مصر.