* من حق عدوي أن يستفيد بغبائي وحماقتي.. من حقه أن يستفيد من طمعي وشهوتي للسلطة والمال والنساء وأن يجندني جاسوساً لحسابه.. هناك عملاء وجواسيس وهم لا يشعرون.. تماماً مثل المفسدين ولا يشعرون.. وهلاك القري الذي تحدث عنه القرآن الكريم يكون بفسوق مترفيها. ولا يكون بأعداء الخارج.. كل القري التي حق عليها القول ودمرها الله تدميراً.. كان تدميرها بفسوق المترفين فيها.. أقوام الأنبياء جميعاً من نوح إلي هود ولوط وإبراهيم وصالح. دمر الله قراهم بفسوق المترفين لا بأعداء الخارج.. الدولة الإسلامية الكبري سقطت ودُمرت بفساد وفسوق أبنائها.. لا بقوة أعدائها.. حدث هذا في الأندلس وفي كل الممالك الإسلامية قبل وبعد ذلك.. لم يلق عدو الخارج حجراً واحداً علي الطيور. ولكنها جميعاً سقطت في حجر العدو بعراكها وصراعها علي السلطة وفسوق المترفين في القرية. عدو الخارج يحاربك وقد يهزمك وتكون له عليك جولة. لكنه لا يهلكك.. وإنما يهلكك أحد أفراد أسرتك.. يهلكك فسوق المترفين في قريتك.. دول الخريف العربي لم تهلكها إسرائيل.. ربما هزمتها في معركة.. لكن هذه الدول يهلكها الآن فسوق المترفين فيها.. يهلكها أعداء الداخل.. وهذه مأساة الدول العربية والإسلامية منذ زمن بعيد.. مأساة المترفين الفاسقين.. مأساة عدوها "اللي منها فيها".. المسلمون والعرب منذ زمن بعيد ألد أعداء أنفسهم.. منذ زمن بعيد وهم يخربون بيوتهم بأيديهم لا بأيدي أعداء الخارج.. عدو الخارج "يدوبك ياكل بس".. لكن الذي يطبخ ويكلف ويحرق ويدمر ويذبح هو عدو الداخل "اللي مننا فينا".. ولا لوم علي الذي يأكل "بالهنا والشفا" لكن اللوم علي مَن يطبخ الوطن ويذبحه ويسويه علي الحرائق. ويقدمه ساخناً للعدو الخارجي. حتي الهزائم التي تلقاها العرب والمسلمون من أعداء الخارج كان السبب فيها فساد وفسوق وغباء الداخل.. أعداء الخارج لم يهزموا العرب والمسلمين بذكائهم وقوتهم. ولكن بضعف وغباء وحماقة هؤلاء العرب والمسلمين.. عدوي قوي بقدر ضعفي. وذكي بقدر غبائي وحماقتي. ونصاب بقدر طمعي وشراهتي. وشجاع بقدر جُبني. وغني بقدر فقري.. وقتلَي العرب والمسلمين بأيديهم أضعاف قتلاهم بأيدي أعداء الخارج.. ولم يحدث في أي عهد أن تدخل أجنبي في شئون الدول العربية والإسلامية إلا باستدعاء أعداء الداخل له. واستقوائهم به.. حدث هذا في الأندلس عندما استعانت الممالك ضد بعضها بالقوط أو الصقالبة أو غيرهم.. وتساقطت ثيران الأندلس. الثور تلو الآخر.. ومأساة الأندلس تتكرر كثيراً في التاريخ العربي والإسلامي. نحن ندمر بلادنا ونحارب بعضنا بالوكالة عن أعداء الخارج.. حتي أن عدو الخارج يفاجأ بكرمنا الحاتمي ونحن نقدم له ونفاجئه بأضعاف ما يحلم به.. نذبح أبناءنا ونذبح أنفسنا ليأكلنا العدو بألف هناء وشفاء.. نحن نتولي الهدم وعدو الخارج يتاجر في أنقاضنا.. وهذا حقه ولا لوم عليه.. حدث هذا في العراق.. هدمه أبناؤه وتولي الأمريكيون تجارة الأنقاض التي سموها إعادة الإعمار.. ويحدث هذا الآن في سوريا.. يتولي أبناؤها هدمها وتدميرها.. وتُترَك مهمة رفع الأنقاض والمتاجرة بها للأجانب تحت مسمي إعادة الإعمار.. حتي كعكة رفع الأنقاض لا نصيب للعرب والمسلمين فيها.. هم فقط يتولون الهدم والتدمير.. ويتولي الأجانب رفع الأنقاض والإعمار.. هذا ما يجري في العراق وسوريا واليمن وتونس وليبيا.. وهناك مساعي لا تتوقف من أجل أن يحدث هذا في مصر. إنه التاريخ العربي والإسلامي الرديء. والسييء الذي لا نمل تكراره وإعادة إنتاجه بمترفين وفاسقين مختلفين في كل عصر ومصر.. والتاريخ المضيء لهذه الأمة مجرد وميض برق سرعان ما يختفي ولا يتكرر.. لكن التاريخ المظلم يتكرر في كل عهد.. لا يتغير أبداً.. مثل مناهج الدراسة التي يتوارثها التلاميذ جيلاً بعد جيل. ولا تتغير.. يتغير التلاميذ والمنهج واحد. والشرعية كانت دائماً عنوان الصراع في كل العصور العربية والإسلامية.. كل العهود توارثت حتي الآن قميص عثمان منذ الفتنة الكبري.. كانت الشرعية عنوان الحرب بين الأمويين وعبدالله بن الزبير.. والحسين بن علي.. وكانت عنواناً للحرب بين العباسيين والطالبيين إبان الدولة العباسية.. وكانت عنوان الحرب بين الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد.. وكانت عنواناً للحروب بين الممالك الأندلسية.. وبين المماليك والعثمانيين.. كانت الشرعية تكتسب بالدم وتسقط بالدم.. ما عدا في مصر الحديثة.. فقد سقطت شرعية الملك فاروق سلمياً. وتخلي عنها طوعاً.. ثم سقطت شرعية مبارك سلمياً. وتخلي عنها طوعاً.. وسقطت بعد ذلك شرعية مرسي والإخوان سلمياً.. لكنهم يريدون استعادتها حرباً وبالدم.. وكل الشرعيات المكتسبة والساقطة فيها قولان.. لكن الإخوان مصممون علي أن شرعيتهم وحدهم هي الشريعة. وهي الإسلام.. وأنها تفويض إلهي. وليست تفويضاً شعبياً. **** * والحوار حول الشرعية ومعناها وحدودها غير ذي جدوي.. بل إن الحوار كله الآن لا قيمة له ولا طائل من ورائه.. أنت ارتضيت أن يعطيك الشعب الشرعية. ومن الإنصاف والعقل والعدل أن ترضي بأن يسقط الشعب شرعيتك.. حتي إذا كان الشعب "عيل ورجع في كلامه".. فإنك ارتضيت من البداية أن تأخذ شرعيتك من هذا "العيل".. الذي حكم لك ورضيت بحكمه. يجب أن ترضي إذا حكم عليك.. المنافقون فقط هم الذين يلمزون في الشرعية كما كان المنافقون يلمزون في الصدقات علي عهد رسول الله "صلي الله عليه وسلم".. المنافقون إذا أعطوا الشرعية رضوا. وإذا سحبها الذي أعطاها إذا هم يسخطون. والشرعية الدائمة والباقية هي شرعية البنوة للوطن.. ومن يحاول استعادة شرعية الحكم بالدم والحرب والفسوق في القرية فإنه يسقط عن نفسه الشرعية الأهم والأبقي وهي شرعية البنوة للوطن.. وهو أيضاً لن يستعيد شرعية الحكم.. وبالتالي سيفقد الشرعيتين.. ولا شرعية لمن يستدعي الخارج لاستعادة الحكم.. فإسقاط الشرعية عني بأيدي أبناء وطني خير لي من استعادتها بأيدي القوي الأجنبية.. مبارك اكتسب الشرعية الوطنية عندما تخلي طوعاً عن الشرعية السياسية والسلطوية.. وأخشي أن يفقد الإخوان الشرعية الوطنية وهم يقاتلون عبثاً لاستعادة الشرعية السياسية والسلطوية.. عبدالناصر تخلي طوعاً عن الشرعية السياسية بعد نكسة عام ..1967 لكنه اكتسب مزيداً من الشرعية الوطنية. وأعاد له الشعب الشرعية السياسية أيضاً. كل هذا "اللت والعجن" لا يستمع إليه أحد.. فقد سبق السيف العذل.. وهذا ليس زمن الكتابة والقراءة. ولكنه زمن السماع والرؤية وثقافة الببغاوات.. "اللي نبات فيه نصبح فيه".. الناس في بلدي نُسخ مكررة من بعضهم.. يرددون نفس الكلام.. نفس المفردات.. وأجد نفسي أرد نفس الردود. فأمل وأشعر بالقرف. ولا أرد علي أحد.. حتي الذين يقولون إن كل الدم المصري حرام "حُرمت عليهم عيشتهم".. حرام علي مَن بالضبط؟!.. وما معني هذا القول المائع والمحايد في زمن يُعد فيه الحياد إثماً. والرقص علي السلم جريمة؟!.. هل الدم المصري حرام علي مَن قتل؟!.. أم هو حرام علي مَن ذهب ليموت مجاناً من أجل عبث ورفث وفسوق وعصيان؟! لقد كرهت هذه الميوعة "بتاعة الدم المصري حرام. وبتاعة نناشد كل الأطراف التخلي عن العنف".. "يا سيدي.. أنا رامي بلاي.. أنا عايز أموت.. أنا رايح أرمي نفسي في التهلكة.. أنا رايح أحصل علي شهادة شهادة. أو استشهاد".. دمي حرام علي من في هذه الحالة؟!.. حرام عليّ أنا أم حرام علي من قلت له: "اقتلني من فضلك"؟!! يا أخي نحن ألد أعداء أنفسنا.. وألد أعداء وطننا.. لذلك ينبغي علي أي دولة ناضجة أن تعيد ترتيب أعدائها في قائمة الأعداء وتعيد أيضاً ترتيب أصدقائها في قائمة الأصدقاء.. هناك أعداء في مركز متقدم بالقائمة. ينبغي أن يسبقهم غيرهم ويتأخروا هم. وكذلك في قائمة الأصدقاء.. كما أن هناك أصدقاء ينبغي شطبهم وإضافة أصدقاء جدد.. إعادة تنقية جداول الأعداء والأصدقاء أهم كثيراً من إعادة تنقية جداول الانتخابات. وقائمة الأعداء المصرية لم يتم تحديثها أبداً.. لذلك تري فيها أعداء قُدامَي من أيام رمسيس الثاني وأحمس الأول. ولا عجب أن تري في القائمة الحيثيين والهكسوس والتتار والصليبيين. هذه القائمة يجب أن يُعاد النظر فيها.. فالدول التي توقف نموها وتكلست وتحجرت لا تجدد قائمة أصدقائها وأعدائها.. بينما لا يوجد في الواقع أصدقاء دائمون. ولا أعداء دائمون.. بل لا يوجد ما يسمي ثوابت في السياسة.. هناك دوماً مصالح وتربيطات وتباديل وتوافيق. وتقديم وتأخير.. فمَن كان مُبتدأ. يصبح خبراً.. ولا توجد مبادئ راسخة في السياسة.. ولا يوجد ما يسمي عدو تاريخي.. لكني علي يقين بأن العدو التاريخي للدول العربية والإسلامية هو عدو الداخل "اللي مننا فينا"!!! **** * علينا أن نصارح أنفسنا بأن إسرائيل لم تعد عدونا الأول.. وأكاد أزعم أنها الآن لم تعد عدواً علي الإطلاق للدول العربية.. فلدينا من أعداء الداخل ما يكفينا ويفيض للتصدير.. العدو الأول لأي دولة عربية وربما العدو الوحيد الآن هم نفر من أبناء هذه الدول.. وإسرائيل دائماً كانت وستظل ورقة سياسية للمعارضة "أي معارضة".. ضد الحكومة "أي حكومة".. اتهم السادات بالخضوع لإسرائيل.. وواجه مبارك الاتهام ذاته.. وواجهه أيضاً مرسي.. الإخوان ومن لف لفهم هتفوا: يا مبارك يا جبان. يا عميل الأمريكان.. والآن هناك نفس الهتاف ضد الإخوان.. فهم متهمون شعبياً "بالتربيط والتظبيط مع أمريكا وإسرائيل".. شربوا من نفس الكاس التي شرب منها السادات ومبارك بأيديهم.. وعندما صار الإخوان في المعارضة الآن مع التجاوز في تسميتها معارضة.. عادوا لنغمة اتهام النظام الحالي "بالتربيط والتظبيط مع إسرائيل".. وأظن أن هذه الاسطوانة صارت مشروخة.. فالشعب العربي في أي دولة لم يعد يفزع كثيراً عندما يقال إن نظاماً ما يتعاون مع إسرائيل.. فشعبياً إسرائيل لم تعد عدواً.. لكن نمو النُخب السياسية توقف عند الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. حيث تستخدم نفس الشعارات والمفردات التي تجاوزها الزمن.. ولو عقلوا للعبوا غيرها. وعرفوا أن أعداء الداخل هم في المرتبة الأولي بقائمة الأعداء. وأن ترتيب إسرائيل تأخر كثيراً حتي تكاد تختفي من القائمة لتفسح مكاناً في المقدمة لأعداء جدد من الداخل والخارج.. فهل تصل الرسالة إلي مترفيها الذين فسقوا فيها!! نظرة -انحاز الجيش المصري إلي الشرعية الوطنية الباقية والدائمة وهو لا يفكر في شرعية سياسية زائلة.. وهذا الرهان علي الشرعية الوطنية كسبه الجيش منذ عهد رمسيس الثاني.. فصارت الشرعية الوطنية عقيدة هذا الجيش والسقف الذي يظله.. الشرعية السياسية تذهب وتجيء بأي آلية.. بالدم.. بالديكتاتورية.. بالانقلاب.. بالصندوق.. "كله محصل بعضه".. وهناك شرعية سياسية بالتزوير. وهناك شرعية بالزيت والسكر والسمن.. والاعتراف الدولي هو الذي يعطي الشرعية السياسية. وعدم الاعتراف يسقطها.. مهما كانت وسيلة اكتساب هذه الشرعية.. أما الشرعية الوطنية التي راهن عليها جيشنا وكسب الرهان. فهي دائمة وباقية. ولا يسقطها أحد. ولا يمنحها أحد.. والشرعية الوطنية أكثر شمولاً وأقوي من الشرعية الشعبية.. لأن الشعب لا يجمع علي أحد.. أما الوطن فهو حدود وأمن قومي. وهو يعرف من الذي يستحق شرعيته.. والوطن حين يعطي الشرعية للجيش فإنه يمنحه الحصانة. ويكون الهجوم علي الجيش هجوماً علي الوطن فعلاً.. أما صاحب الشرعية السياسية والسلطوية. فإن الهجوم عليه قد يكون مبرراً. وقد يكون صادقاً.. والشرعية الوطنية لها اليد العليا. ومن حقها إسقاط الشرعية السياسية إذا تعارضت مع الوطن.. فهل يفهم هذا الدرس "الأعداء الدائمون في مجلس السمن البلدي؟!!"!!!