أسعار اللحوم والدواجن اليوم 28 سبتمبر بسوق العبور للجملة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    الضاحية الجنوبية في بيروت تتعرض لهجوم إسرائيلي واسع وعنيف ومتواصل    فصائل عراقية تعلن استهداف موقعا إسرائيليا في الجولان المحتل بواسطة الطيران المسير    بايدن يوجه بتعديل وضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط    تشكيل ليفربول المتوقع أمام وولفرهامبتون.. محمد صلاح يقود الهجوم    بسبب الخلافات.. قاتل ابن عمه ب المنوفية في قبضة الأمن    اختبار شهر أكتوبر رابعة ابتدائي 2025.. المواعيد والمقرارات الدراسية    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي بعد صراع مع السرطان    "الصحفيين" تحتفل بمئوية فؤاد المهندس، اليوم    عودة أسياد أفريقيا.. بهذه الطريقة أشرف ذكي يهنئ الزمالك بالسوبر الأفريقي    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    آخر تطورات لبنان.. الاحتلال يشن 21 غارة على بيروت وحزب الله يقصف شمال إسرائيل    اليوم.. جامعة الأزهر تستقبل طلابها بالعام الدراسي الجديد    «أنا وكيله».. تعليق طريف دونجا على عرض تركي آل الشيخ ل شيكابالا (فيديو)    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 33    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. ختام معسكر عين شمس تبدع باختلاف    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    إيران تزامنا مع أنباء اغتيال حسن نصر الله: الاغتيالات لن تحل مشكلة إسرائيل    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    استعد لتغيير ساعتك.. رسميا موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2024 في مصر وانتهاء الصيفي    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    "الصحة اللبنانية": ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت إلى 6 قتلى و91 مصابا    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    هشام جمال ينصح المشاركين في «كاستنج»: حاول مرة أخرى إذا فشلت    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    ميلان يتغلب على ليتشي بثلاثية بالدوري الإيطالي    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    نبيل الحلفاوي يوجة رسالة للزمالك بعد فوزه بلقب السوبر الإفريقي    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا وقت للحب في غيابة الجب!!
نشر في الجمهورية يوم 09 - 12 - 2012

ما كل ما يتمني المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. كنت أود هذه المرة أن أكتب عن الحب.. عن كل هذا الحب الذي يجمعني مع زملائي وأصدقائي واخوتي وأبنائي الصحفيين والعمال والفنيين في صحيفتنا وخارجها.. كنت أود أن أكتب بدمي ودموعي حبا وعرفانا.. عن رصيد الحب الكبير بيني وبين الناس.. كنت أود أن يكون الحب في كل سطر وفي كل حرف.. أود أن أقول لمثل هذا فليعمل العاملون.. ولكني خجلت.. استحيت أن أكتب عن الحب في وطن تحكمه وتدير حركته الكراهية والأحقاد والانتقام.. وطن يجري إلي ما لا يدري ولا ندري.. وطن يصرخ فيَّ وفيكم.. لا وقت للحب.. تافه من يكتب عن الحب في زمن الكراهية.. واهم من يكتب عن عيد الميلاد في مأتم الوطن.. خائن من يفرح في سرادق الأحزان.. ومن يضحك أو حتي يبتسم في غيابة الجب.. لا حب في غيابة الجب.. لقد ألقانا الحكام والمعارضون في غيابة الجب وكانوا في هذا الشعب من الزاهدين.. ولم يلتقطنا بعض السيارة ولم يسرونا بضاعة.. وتوقف نمونا ولم نبلغ أشدنا ولم يؤتنا الله عز وجل ولم يؤت قادتنا ولا نخبتنا نكبتنا حكما ولا علما.. لأننا لسنا محسنين.. لسنا أنقياء ولا أتقياء.. لا يتحرك أحد بوقود الوطنية والمسئولية.. ولكن الكل يتحرك بوقود الكراهية وطاقة الحقد والانتقام والعناد الذي يورث الكفر.. نحن نحرق الوطن ونستدفيء به في برد الشتاء.. "بيت أبينا خرب وكل واحد يلحق ياخد له قالب".. يا أصدقائي علي سيد كلحي والمهندس اسماعيل العوضي وخميس السروجي وعبلة عبدالله.. ليسانس آداب فلسفة سياسية دمنهور البحيرة وسعد نبيه صابر من دمياط وأشرف الحسانين مدرس اللغة الانجليزية نبروه دقهلية ومحمد جودت بعيص من قبائل أولاد علي البحيرة والعقيد المهندس محمد فلكي وأسامة صالح من أسوان.. أصبحنا مستضعفين في أرضنا ولا نملك إلا أن نقول: "ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها" أخرجنا من قرية سدوم التي أصبح عاليها سافلها وسافلها عاليها.. وصار نكراتها معارفها.. ومعارفها نكراتها.. وصار أقزامها عماليقها.. وعماليقها أقزامها.. قرية الرويبضة.. وقرية الهاموش الذي سيطر علي المشهد كله قرية غثاء السيل الذي يقال عنه أغلبية وأكثرية.. وطن تلوث بما يكفي لتتجمع مليونيات الذباب علي جثته المتعفنة.. لا أستثني أحدا انه وطن بارع في إعادة انتاج مساوئه وخطاياه وكوارثه واخفاقاته وخطابه الفرعوني والمملوكي القديم.. ان هؤلاء لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائظون وانا لجميع حاذرون.. كل الأطراف التي ابتلانا الله بها ترسل في المدائن حاشرين يحشدوننا لنموت دونهم ولندفع ثمن خطاياهم ولنجاهد في سبيل نزواتهم وأجنداتهم.. نحن نغشي الوغي وهم يجمعون الغنائم نموت ليعيشوا نزرع أرضنا بالجماجم ليأكلوا هم خيرها وما أسهل حشدنا واستدعاءنا والضحك علينا.. هذا يحشد في سبيل الله.. وهذا يحشدنا في سبيل الديمقراطية.. "وآخرتها كل طرف يترحم علينا.. ويشعر بالألم والأسي الكاذبين لسقوطنا.. وينعم علينا بلقب شهيد.. كل طرف من الرويبضة والهاموش الذي يقود المشهد المصري "مغسل وضامن جنة" لنا ويعدنا من اتبعناهم بأنهم سيحملون عنا أوزارنا وخطايانا يوم القيامة ويشهدون لنا بالجنة أمام الله عز وجل.. وقد حذرنا الله منهم: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا.. المتبوعون سيتبرأون منا نحن التابعين يوم القيامة.. سيقولون لنا كما يقول الشيطان لأتباعه "وما كان لي عليكم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم".
الويل والثبور لكل من يتشدق بأن معه الأغلبية.. فالأغلبية في زماننا.. وفي كل زمان إلي يوم القيامة مع الباطل.. وكان ينبغي لأي عاقل أو لأي امرئ يعرف دينه أن يفخر بأن معه الحق وانه مع الحق وأن يثبت ذلك الحق.. لا أن يفخر بأن معه الأغلبية.. فالذي يزهو بأن معه الأغلبية انما يزهو بأنه مع الباطل وان الباطل معه.. العاقل الذي يعرف دينه يقول عندما يري المليونيات والحشود ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأي مليونية حول امرئ أخذ في ريبة "سرقة زني أو غير ذلك". لا مرحبا بتلك الوجوه التي لا نراها إلا في شر.. هذا في زمن عمر "شوف انت بقي تقول ايه دلوقت"؟.
الوطن يحترق ونحن نرقص حول النار.. نحن نفرش الأرض بجماجمنا ليمضي عليها هاموش الحكم والمعارضة نحو كرسي السلطة نحن نبذل دماءنا.. نتبرع بدمنا لإنقاذ حياة السلطة من أجل "ناس ماعندهمش دم" لا أبرئ أحدا لا أبرئ حتي نفسي التي تريد أن تفرح وتحب وتتفاءل وتحتفل في خضم بحر الدم ونهر الدموع.
هم جميعا أصحاب مليارات جمعوها من سبوبة السياسة ونحتاية الدين فإذا سقط الوطن طاروا بملياراتهم ليشتروا أوطانا بديلة كل أرض وطنك إذا كنت غنيا وأنت غريب في وطنك إذا كنت فقيرا كلهم سيطيرون في غمضة عين إلي أوطان اشتروها بفلوسهم.. والوطن سيسقط علي رءوس الفقراء نحن فقراء لا حيلة لنا وليس لنا غير هذا الوطن المخروب "حنروح فين إذا انهار وضاع؟" من لي بطبلة مسحراتي أجوب بها شوارع وأزقة وطني لأوقظ شعبا نائما يستجيب لكل ناعق.. يحشده فرعون وملأه.. ويحشده معارضو فرعون وملأهم.. ثم تكون فتنة وحربا أهلية ليصبح وطني قبرا كبيرا.. والمتصارعون علي السلطة في وطني ليس لديهم مانع في أن يكونوا حكاما علي كرسي فوق القبر.. سلطة ولو علي "تُربة".. عرش ولو في خرابة.
****
قلت في بواكير الوهم الكبير المسمي ثورة 25 يناير ان آخر العناد الضغط علي الزناد.. وطرفا المعادلة السوداء في هذا الذي كان وطني وأريد الفرار منه الآن.. هما شقا الرحي ونحن المطحونون بينهما والضغط علي الزناد نحن ضحاياه أما الطرفان فإن عنادهما لن يضرهما شيئا سيجلسان للحوار فوق شلال دمائنا ويتفقان علي اقتسام الكعكة.. ويقيمان حفل تأبين لنا.. ويقفان دقيقة حدادا علي أرواحنا قبل بدء الحوار.. لكن قومي لا يعلمون.. المصريون لا يفقهون.. المصريون لا يتعلمون.. المصريون مثل شاب ابله انتحر من أجل فتاة لعوب لم يستطع أن يتزوجها.. وعندما يشيعه أهله إلي القبر تجري في نفس اللحظة مراسم واحتفالات زفاف فتاته إلي رجل آخر.. ويخسر المنتحر دنياه وآخرته.. ويقول أحد العارفين ان الخاسر هو مَنْ باع آخرته بدنياه.. والخاسر الأحمق من باع آخرته بدنيا غيره.. والمصريون يبيعون آخرتهم من أجل دنيا غيرهم.. من أجل دنيا طلاب السلطة.. تماما مثل الشاب الأبله الأحمق الذي انتحر فباع آخرته من أجل دنيا فتاته والرجل الذي تزوجها.
كان عبدالناصر بطلا عدة مرات.. عندما أمم قناة السويس وواجه العدوان الثلاثي وحقق انتصارا سياسيا مدويا.. وعندما خرج علي الجماهير بعد نكسة عام 1967 ليعلن مسئوليته الكاملة عما حري وانه قرر التنحي.. ثم عند رضوخه للشعب وعودته إلي الحكم ثم في حرب الاستنزاف رغم مرارة النكسة.. وكان السادات بطلا عندما اقتلع مراكز القوي بضربة واحدة وعندما انتصر في حرب أكتوبر وعندما تحول تماما عن نهج عبدالناصر وأرسي الديمقراطية والتعددية وعندما زار القدس في نوفمبر عام 1977 وعندما سقط شهيدا وسط جنوده.. وكان حسني مبارك بطلا مرتين فقط احداهما في الجهاد الأصغر خلال حرب أكتوبر والأخيرة في الجهاد الأكبر ضد نفسه حين تخلي عن السلطة والحكم وحقن دم المصريين.
ويبدو ان عهد البطولات قد انتهي فلم تعد هناك حروب وجهاد أصغر.. ولا أحد ينتصر في الجهاد الأكبر ضد نفسه.. كل الأطراف المتصارعة تنهزم يوميا في الجهاد الأكبر.. كل الأطراف تأخذها العزة بالإثم وتتمترس حول مواقفها محتمية بأغلبية وهمية وكثرة كغثاء السيل.. "سيبك من حكاية الطرف الثالث".. دعك من القلة المندسة.. والمأجورين الذين يتلقون أموالا من الداخل ومن الخارج.. دعك من المؤامرة واللهو الخفي.. والفلول ورموز النظام السابق.. كل هذه اسطوانات مشروخة وإعادة انتاج لخطاب النظام السابق بنصه وبنفس مفرداته.. خطاب أصابنا بالملل والزهق والقرف ولم يعد أكثر الناس غفلة وبلاهة يصدقه.. ليس هناك سوي طرفين لا ثالث لهما أعمتهما السلطة في يد أحدهما والشوق والشيق إلي السلطة المفقودة لدي الآخر.. ونحن وقود حربهما معا لأننا مغفلون.. مضحوك علينا بالدين أو مخدوعون بالديمقراطية والدولة المدنية.. ومصر لن تكون دولة دينية لأن "بتوع الدين" أكثرهم منافقون ولن تكون دولة مدنية لأن "بتوع المدنية متخلفون في معظمهم وسلطويون".. وهذه النخبة من ذاك الشعب.. هذه النخبة الحاكمة والمعارضة هي النبات النكد الذي يخرج من البلد الذي خبث.. مصر الآن في أمس الحاجة إلي محمد علي باشا الذي ظل ست سنوات من عام 1805 إلي عام 1811 يفاوض أمراء المماليك.. يهادن هذا ويساوم هذا.. وهذا يفر منه إلي الدلتا وهذا يفر منه ويستقل بالصعيد.. فلما زهق جمعهم جميعا في القلعة علي وليمة وغلق الأبواب وأبادهم.. وبعد ذلك انطلق بمصر إلي آفاق عالمية رحبة.. مذبحة القلعة أعظم حدث وانجاز في تاريخ مصر المعاصر والحديث.. كانت فيصلا بين دولة التخلف ودولة التحضر والعلم والقوة.
قاع ومستنقع الغباء أن يظن أحد ان العناد قوة وان التمسك بالرأي ولو كان خاطئا ثبات علي المبدأ وان الذي يغير قناعاته ضعيف.. ذاك والله هو الحمق بعينه.. فالمنتصر حقا هو الذي يجاهد نفسه وينتصر عليها وينزل عن رأيه.. وأن يهون إذا عز أخوه في الوطن أو في الدين أو في القبيلة.. من أراد أن يكون زعيما فليرضخ لشعبه ولإرادته.. وأن ينزل عند رأي الأقلية إذا رأي انه صواب.. أما الاحتماء بالأغلبية المزيفة دائما والمحشودة بالحاشرين الذين انطلقوا في المدائن فإنه لا ينبغي أن يغر حكيما عاقلا متدينا.. والزعيم الحق يستمد شرعيته من الرضوخ للحق لا من التمترس خلف أغلبيته هي دائما علي باطل.. لا إجماع ولا أغلبية ولا كثرة إلا في جانب الباطل "افهموها بقي!!"
****
ذلك العناد الغبي من كل الأطراف سيوردنا بل أوردنا المهالك بالفعل.. انه عناد من إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون.. ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.. العظماء فقط هم الذين يتنازلون عن آرائهم وأفكارهم من أجل الحق.. وليسوا هؤلاء الذين يتمسكون بالأخطاء والخطايا احتماء بأغلبية وهمية وكثرة كغثاء السيل.. وإذا أراد الله بقوم سوءا مدهم في طغيانهم يعمهون وزين لهم سوء أعمالهم وتركهم في ظلمات لا يقدرون علي شيء.. هؤلاء صم بكم عمي فهم لا يفقهون.. لا يسمعون إلا ما يطربهم ولو كان تغيببا لهم عن الوعي.. ونحن في مصر عندنا ملايين مهمتهم في الحياة أن يزينوا للأشرار سوء عملهم.. عندنا في مصر أناس لا يتحملون بريق السلطة فبمجرد اعتلائها يتحول المصري إلي شخص كريه يمارس الصلف والغرور والتعالي.. ويقول للناس كما قال فرعون: ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
وأسوأ ما في السلطة عندنا انها تعمي وتصم.. وان طلابها لا يكفون عن خطب ودها بالحق قليلا والباطل والكذب كثيرا .. والله تعالي يمد المسئولين والقيادات في الطرفين المتصارعين في طغيانهم يعمهون.. ولله في خلقه شئون ومن غضب الله أن يقلل عز وجل كل طرف في عين الآخر.. فيري الحاكم أنصار المعارضة قليلا.. ويقلل أنصار الحاكم في عيون المعارضة ليقضي الله تعالي أمرا كان مفعولا.. فهل حان وقت اهلاك القرية قبل يوم القيامة أو تعذيبها عذابا شديدا..؟ هل هذا وعدك يا رب؟ "وان من قرية إلا ونحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا.. كان ذلك في الكتاب سطورا".
هل أمر الله المترفين في قريتنا "أي كثرهم" ففسقوا فيها فحق عليها القول وحان وقت تدميرها؟
.. لا حل عندي سوي أن يأذن الله للمصريين بأن يستفيقوا.. فقد طالت الغيبوبة وطال الموت السريري.
.. لا حل سوي أن يعي المصريون المحتشدون مع كل طرف انهم مخدوعون ومضحوك عليهم وضالون وان الوطن لا نصيب له مما يحدث.. وان شبق السلطة هو المحرك للمليونيات والحشود.. وان الأمور وصلت بالفعل "إلي حارة سد".. نحن لا نبحث الآن عن الطرف الثالث لنحاكمه أو ندينه بما يجري علي أرضنا ولكننا نبحث عن طرف ثالث ينقذنا من الطرفين المتصارعين علي السلطة.. ينقذنا من "بتوع الاسلام السياسي".. و"بتوع الديمقراطية والدولة المدنية".. الطرف الثالث ليس المشكلة ولكنه الحل الذي نريده.. الحل الذي يريحنا من طرفين جعلانا وقودا لمعركتهما.. نريد الطرف الثالث الذي سيكون مصريا خالصا بلا تصنيف ولا عنوان آخر غير انه مصري.. لا إخوان.. ولا سلف ولا تلف ولا مدنية ولا علمانية ولا باذنجانية.
.. لقد شبعنا حقدا وكراهية.. شبعنا دما ودموعا.. شبعنا خرابا.. شبعنا إعلانات دستورية يظن أصحابها والمتمسكون بها انها قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. شبعنا تأسيسيات وجمعيات ولجانا ومؤتمرات وفاق وطني لا يأتي أبدا.. نري وطنا ينهار ويضيع بين طرفين يلعبان بدمائنا ويتسليان بفقرنا وجوعنا واقتصادنا المنهار.. نري شعبا ينتحر وهو يحسب انه يحسن صنعا.. نري كراهية هي العنوان الرئيسي الذي يجمع المشهد كله.. كراهية تحرق الوطن وتدمره..
وتلقي شعبا بأكمله في غيابة الجب.. ألم أقل لكم انني لا أجد وقتا للحب في غيابة الجب؟!!
نظرة
يبدو الحواران اللذان دارا بيني وبين صديقين مختلفين ساخرين ان شئت أو إن شئت غير مكترثين ولا مباليين.. في الحوار الأول بدا صديقي العامل البسيط الذي لا يعرف شيئا مما يدور حوله جادا وهو يقول لي: اسمع كثيرا عن الديكتاتورية.. ولا أعرف معني واضحا لها.. ولكني توصلت إلي.. ان دولتنا فعلا ديكتاتورية.. فقلت له: ومن أين عرفت ان دولتنا ديكتاتورية وأنت لا تعرف معني كلمة ديكتاتورية؟ قال: أقولك يا سيدي.. دولة ديكتاتورية يعني مليانة دكاترة الحكام دكاترة والمعارضة دكاترة.. والقضاة دكاترة والمذيعون دكاترة.. ده غير الدكاترة اللي بيعالجونا.. يعني دولتنا ديكتاتورية.. وديكتاتورية يعني دكتورية.. قلت له: أحسنت والله.. هي كده فعلا بلد بتاعة دكاترة صحيح.. أما صديقي الآخر فبدأ عالما بكل شيء لكنه يسخر من كل شيء بمرارة إذ قال لي: أنا لم أدخل الجمعية التأسيسية الأولي.. ولا الجمعية التأسيسية الثانية لكني أنوي دخول الجمعية التأسيسية الثالثة بنفرين!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.