لم يكن أحد يتوقع ان تطول ازمة سوريا لهذا الحد وان يدفع الشعب السوري هذا الثمن الباهظ من ارواح ودماء ابنائه عندما تحرك وطالب بالحرية. ولاشك ان لسوريا ظروفاً تختلف عن كل الدول التي اندلعت فيها ثورات من قبل نتيجة تعقيد الوضع الاقليمي وتشابك المصالح والتوازنات الاقليمية والدولية وموقع سوريا وتركيبتها الاثنية والطائفية. كل هذه العوامل لعبت دوراً محوريا في اطالة امد الصراع وزيادة كلفة التغيير في هذا البلد العربي الشقيق. وتحالف نظام بشار الاسد الذي ينتمي لاقلية علوية تحتل معظم المناصب الحساسة في الجيش والاجهزة الامنية مع إيران وحزب الله اللبناني خلق ثنائية حادة وصبغ الثورة السورية بلون طائفي مذهبي انحاز فيه اهل السنة بجانب الثورة بينما القت الاطراف الشيعية بكل ثقلها من اموال وسلاح ومقاتلين لجانب نظام بشار الاسد. والجميع يعلم اهمية بقاء نظام الاسد علي رأس السلطة في دمشقلإيران وحزب الله حيث الجميع ينتمي لمذهب واحد ويتبني سياسة واحدة تجاه الغرب وإسرائيل. العامل الثاني الذي أخر الحسم في سوريا هو ضعف وانقسام الدول العربية تجاه الملف السوري.. فهناك دول تقف صراحة مع النظام مثل العراق واخري منقسمة تنأي بنفسها رسمياً بينما تتورط مكوناتها في الصراع علي الارض مع أو ضد كلبنان وهناك دول تدعم المعارضة مثل السعودية وليبيا وقطر واخري تخشي الثورات وتتحفظ في الوقوف ضد بشار الاسد مثل الجزائر والسودان كما ان الموقف المصري يتسم بالغموض والضعف والتردد تجاه الازمة. العامل الثالث هو عودة روسيا للمنطقة كلاعب رئيس وينبع موقف موسكو من الحفاظ علي مصالحها في المنطقة بعد ان تم خداعها في ليبيا وخسرت نفوذها في هذا البلد النفطي الكبير فما كان منها تحت قيادة بوتين الذي يحاول اعادة امجاد روسيا إلا ان تتشدد في سوريا وتقف بقوة بجانب النظام وذلك للحافظ علي موطيء قدم يتمثل في قاعدة بحرية لاساطيلها علي سواحل سوريا وهي موطيء القدم الوحيد لروسيا في المياه الدافئة بشرق المتوسط وللحفاظ علي حليف قديم ومستورد رئيس للسلاح الروسي. السبب الآخر هو خشية موسكو من التمدد الإسلامي وانتشار التطرف وخاصة بعد اكتساب الصراع في سوريا مظهراً وجوهراً مذهبياً وتدفق الجماعات الجهادية الي سوريا.. وتقول القيادة الروسية انها تحاول منع انقسام العالم الإسلامي وتصاعد العداء والحرب بين السنة والشيعة بينما هي تخشي في الاساس انتصار الجماعات السنية المتشددة حتي لا يتمدد هذا التشدد للجمهوريات الإسلامية الروسية التي تقع في خاصرتها الجنوبية وعلي اطرافها في آسيا الوسطي. وقد استغلت روسيا الدور الكبير الذي تلعبه هذه الجماعات وعلي رأسها جبهة النصرة لتخويف الغرب من تأييد الثورة حتي تراجعت واشنطن في مواقفها خوفاً علي حليفتها إسرائيل من انتصار الثورة في سوريا وفيها هذه الجماعات.