بعد 26 سنة محرراً للشئون الصحية.. أتساءل: هل العلاج في مصر حق للمواطن أم هبة من هبات الدولة.. أم منحة للمحظوظين؟!.. دستور منظمة الصحة العالمية.. أكد أن تمتع المواطن بأعلي درجات الرعاية الصحية هو حق للمواطن وليس هبة من هبات الدولة. أما في مصر. لابد أن يبحث المريض عن الواسطة والمحسوبية لإيجاد سرير لإجراء جراحة.. وعن طريقة لإنهاء آلامه المبرحة وأوجاعه الدائمة بعيداً عن الذل والهوان.. وإهدار كرامته تلميحاً وتصريحاً في مستشفيات يعاني بعضها الفساد.. وتدني الخدمات وانعدام الضمير وتهاوي الأخلاق.. مدير يتعامل مع المكان علي أساس أنه تكية أو عزبة الوالد.. طبيب وفريق طبي يتعاملون وذووهم علي أساس أنهم سلعة وبيزنس. البعض يعمل في جزر منعزلة.. لو تم تحويل مريض بخطاب مدفوع القيمة من التأمين الصحي لمستشفي تابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة.. لابد أن يدفع المعلوم بالمخالفة للقانون تحت حجة عدم وجود سرير درجة قانية.. لو مريض استصدر قرار علاج علي نفقة الدولة لابد أن يدفع أيضاً بحجة أن القرار غير كاف.. لو سعيت وحاولت الذهاب لمقابلة مسئول بالوزارة لتشكو إليه قلة حيلتك وهوان أمرك.. وترفع إليه مظلمتك.. أتحدي حتي لو دخلت للسكرتارية!!.. طبعاً البيع أما في مؤتمرات.. واجتماعات.. ومنتجعات.. وإنفاقات ومصروفات.. ولا يعلم ما يعاني منه المريض داخل بعض المستشفيات من قسوة وإهمال وتعامل لا إنساني وشخط ونطر وطناش وتكبير دماغ بيزنس.. ولا يدري أن المستشفيات الحكومية هي الملجأ والملاذ لغير القادرين إذا لم يحصل فيها علي مبتغاه.. وسيعود إلي بيته يفترسه الألم.. ويقتله المرض. هناك قصور شديد في أغلب مستشفيات وزارة الصحة.. انتشرت الوساطة وتفشت الرشوة والمحسوبية داخلها.. وابتعد التعامل عن الأساليب الإنسانية.. وحسن معاملة المريض الذي فتك به المرض.. وحصوله علي حقه في العلاج وجميع الخدمات بسهولة ويسر.. تاهت خطوات المرضي وذويهم بين الجري وراء الوساطة والمحسوبية.. وبين قرار علاج لتخفيف أنين مريضهم.. انعزل المسئولون في مكاتبهم التي أنفقوا عليها الملايين بعيداً عن مواقع تقديم الخدمة.. ولا يدرون شيئاً عن الواقع المرير.. وعن أنين وجراح وعويل وآلام المرضي.. وأحزان أسرهم؟! صورة غريبة تقابلها في هذه المستشفيات.. مريض يعاني دعم القدرة علي الوصول إلي حقه وما يهدف إليه.. وصورته متخاذلة وضعيفة ومستكينة.. ومسئول متربص تناسي أنه في هذا المكان لخدمة ذلك المريض.. ولغة حوار تخرج عن المألوف.. تستشعر أننا نعيش عيشة الغاب.. ولكن تعلمون أن الحيوانات تتآلف وتتعاطف وتتكاتف وقت مطاردة الصياد لإحداها لمحاولة إنقاذها.. أما البشر هنا فالعلاقات بينهم فاترة.. الغريب أن يكون ذلك من أصحاب البالطو الأبيض. "حاجة تكسف" أن يكون حالنا هكذا في مصر الحضارة والريادة.. من المعقول أن تتدخل الوساطة والمحسوبية في أي شيء.. ولكن من غير المنطقي أن يكون ذلك في علاج مريض في ظل نظام صحي مهلهل ومفكك.