واهم مَن يتصور أن ربيعاً سوف يهب علي المنطقة بعد ثورات الشعوب. لأن سيناريو الرياح المرسومة لا يعرف الربيع. وقطعاً لم ينس أحد حديث الأمريكان عن الشرق الأوسط الجديد.. والسيناريو "البوشي". أو الكوندا ليزارايسي عن الفوضي الخلاقة. والديمقراطية الجديدة بالعراق ودول المنطقة.. وكان كثيرون يأخذون هذا الكلام بسخرية أو كلام بعيد المنال. أو أنها أمان أمريكية مستحيلة التحقيق. لكن ما كانوا يرددونه ويخططون له تحقق وأكثر وبأسرع مما أرادوا.. وبأيدي الشعوب العربية أنفسها. وليس بأيدي الأمريكا.. وكل ما فعلوه خططوا ومولوا واستغلوا قهر الشعوب وفساد الحكام وبمجرد نزول قطرة مطر.. انهمر السيل وتدخلت الأصابع الخارجية بقوة ليس لإنجاح ثورات الشعوب ضد الحكام الفاسدين. ولكن لإنجاح المخطط نحو تحويل الثورة إلي فوضي وانفلات وحروب بين التيارات والفصائل السياسية بحيث تستمر الفوضي والانفلات وعدم الاستقرار إلي أن تسقط الدولة بمؤسساتها وتستمر حالة الفوضي والعنف.. فلا نري ربيعاً عربياً. ولكن تتحول دول المنطقة إلي أطلال دول بلا كيان ولا مؤسسات. ويكون ذلك قطعاً في صالح الحليف الأمريكي إسرائيل. وقد قالها صراحة جنرال إسرائيلي سابق بأن كل ما يحدث في المنطقة يصب في صالح إسرائيل.. مؤكداً كلامه بأن سوريا علي سبيل المثال كان لديها حوالي 5 فرق عسكرية مجهزة كان يمكنها الاشتباك مع القوات الإسرائيلية في الجولان.. وكانوا يعملون لها ألف حساب في أي وقت. لكن بعد ثورة الشعب ضد النظام والدخول في الحرب الأهلية بين الجيش والشعب. وكم الأسلحة التي وصلت إلي ما يسمي بالجيش الحر.. كي تستمر الحرب حتي القضاء تماماً علي الدولة وعلي الجيش الحر والنظامي معاً. قال الجنرال الإسرائيلي.. لم يعد هناك بعد ذلك أي قوة تذكر للجيش السوري.. والذي يتأمل كم الأسلحة التي تصل إلي الجيش الحر في سوريا يدرك أن هناك أصابع خارجية لا تهدف علي الإطلاق إلي مساندة ثورات الشعوب لإنجاحها بقدر هدفها في إدخال البلاد في دوامة الحروب الأهلية التي تقضي علي الأخضر واليابس.. ولا تصل بقايا الدولة إلي أمن ولا استقرار. ولا حرية ولا ديمقراطية.. ولكم في العراق كل العبر.. فكم تحدث بوش عن العراق الجديد؟!.. عراق الحرية والديمقراطية. وطالب الجميع بأن يساعدوه للتخلص من "صدام" والأسلحة المدمرة التي يمتلكها. والتي تمثل خطراً ليس علي جيرانه. بل علي العالم بأسره. وكأن صدام يمتلك الرءوس النووية التي تمتلكها إسرائيل الحليف المدلل لأمريكا والولاية ال 53 بالشرق الأوسط.. ظل الأمريكان يروجون لأكاذيب ويحشدون المجتمع الدولي ضد صدام الذي لا ينكر أحد جُرم غزوه للكويت. ولكن هدف الأمريكان القضاء علي العراق الدولة ونهب ثرواتها وبترولها وليس القضاء علي شخص صدام.. فقد أعدموا صدام.. وأعدموا الدولة ونهبوا ثرواتها ونكلوا بأهلها. وزرعوا فيها جماعات التفجير والترويع ودمروا البنية الأساسية وتركوها أطلال دولة بلا جيش ولا شرطة ولا مؤسسات.. لا يمر يوم إلا والتفجيرات تدوي وتحصد الأرواح في كلا مكان.. هذا هو العراق الجديد.. نفس الحال في ليبيا.. فقد تدخل الناتو بسرعة البرق ليس لإنقاذ ليبيا. ولكن لنهب بترولها وإسقاط الدولة وإدخالها في دوامة الحرب الأهلية.. فقد مزقوا القذافي بأيدي شعبه وتمزقت معه أوصال الدولة.. وقتل الناتو في غاراته أضعاف أضعاف ما قتل خلال ثورة الشعب ضد النظام.. واشترط الناتو بقاءه عشر سنوات يستخرج البترول ويبيعه ثمن الحرب وثمن الخلاص من القذافي.. ودخلت ليبيا دوامة التفجيرات والحروب القبلية بفعل الأطراف الخارجية التي تزعم دائماً أنها تساند ثورات الشعوب ضد الحكام الفاسدين.. واليمن نفس السيناريو.. ونفس الحروب القبلية.. وسوريا دخلت طريق اللاعودة والنفق المظلم.. وأنهكت الحرب الأهلية فيها كل القوي. وصارت المدن أطلالاً وجثثاً في كل مكان.. وهرب مَن هرب.. ولم تعد هناك دولة.. ولو كانت سوريا تمتلك نفطاً لسارع الناتو أو الأمريكان بالتدخل العسكري بغض النظر عن وجود أكبر قاعدة عسكرية روسية فيها. وهي تمثل الخط الأحمر ضد أي تدخل عسكري في سوريا.. ولكن تدخل الخارج بما يحقق هدفه. فيمد كل يوم الثائرين بسلاح ضعف ما يملك الجيش النظامي. ليس حباً في الثوار ولا تهمهم مصلحة سوريا. ولكن لكي يخلص أبناء الوطن بعضهم علي بعض. ويسقطون دولتهم بأيديهم.. مثلما يجري السيناريو تماماً عندنا.. فرغم أننا قمنا بأعظم ثورة إلا أن هناك من يسعي لاستمرار دوامة العنف حتي إسقاط الدولة ومحاولات الفتنة. والمولوتوف لن تتوقف إلا إذا تحقق لهم المراد.