ما أشبه الليلة بالبارحة، الرئيس الأسد يهدد بزلزال في المنطقة إذا حدث تدخل عسكرى أجنبي ضد بلاده، وهذا بالضبط ما فعله صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، وكانت النتيجة كارثية في البلدين نظرا للاختلال المروع في موازين القوي ! في عام 2003 هدد صدام حسين بإحراق إسرائيل إذا حدث تدخل عسكري اجنبي ضد بلاده، وتبين بعد ذلك أن التهديدات فارغة وجوفاء ،ففي 20 مارس 2003 شنت أمريكا وبريطانيا الحرب على العراق، واطلق صدام صواريخه على اسرائيل لكنها لم تلحق بها اضرارا كبيرة، وفي 9 ابريل 2003 تم احتلال بغداد وسقوط النظام وفي 6 ديسمبر 2003 اعتقل صدام في مزرعة بتكريت وفي 31 ديسمبر 2006 تم اعدامه بعد محاكمة هزلية لم تتوافر لها أية ضمانات! نفس الشيء حدث في ليبيا، ففي مارس 2011 هدد القذافي أوروبا بالإرهاب والقاعدة إذا تدخلت عسكريا في بلاده ، وفي 17 مارس 2011 فرض حلف الناتو حظرا جويا فوق ليبيا، وفي 29 مارس وقعت عملية ارهابية في قاعدة عسكرية باليونان، وفي 31 مارس بدا الناتو عملياته العسكرية ضد قوات القذافي بتفويض من مجلس الامن، وتوالي سقوط المدن الليبية في ايدي الثوار الليبيين وآخرها طرابلس وفي 20 اكتوبر الماضي تم اعتقال القذافي وقتله بدون محاكمة ! كانت المواجهة في الحالتين محسومة سلفا، فقوات صدام والقذافي لم تكن مجهزة للدخول في مواجهة مع جيوش دول كبرى، ولم تكن قادرة على تحمل تكلفة اي مواجهة عسكرية طويلة الامد، ولم يكن نظاما الحكم في البلدين يحظيان بأي دعم إقليمي او دولي، والاهم من ذلك أن الأغلبية الساحقة من الشعبين كانت قد ضاقت ذرعا بالقمع والاستبداد وحكم الفرد والحزب والعائلة! والآن يكرر الأسد نفس الغلطة بالتهديد بزلزال مروع في المنطقة إذا حدث تدخل عسكري اجنبي ضد بلاده ، متجاهلا أن قدرات سوريا العسكرية لا تسمح لها اصلا بمواجهة مع إسرائيل، كما أن التعويل على إيران لن يفيد كثيرا، فإيران قد تجد نفسها مجبرة في النهاية علي القبول بالتخلص من نظام الأسد، لحماية نفسها ومقدراتها وكسب الوقت اللازم لإنتاج سلاحها النووي. سوريا تسير بخطوات سريعة على نفس طريق العراق وليبيا، فالنظام يرفض كل الجهود المبذولة لمنع تدويل الازمة، كما يرفض سحب الدبابات من المدن والشوراع والحوار مع المعارضة، وهو يراهن على الدعم الصيني –الروسي، مع أن هذا الدعم لم يحقق شيئا من قبل لصدام والقذافي، كما يراهن علي تردد الناتو في التدخل العسكري بسبب التكلفة البشرية والمادية الباهظة، مع أن الناتو ربما يلجأ إلي وسائل أخرى. كل المؤشرات تقول إن الملف السوري سوف يعود قريبا إلي مجلس الأمن، وأن المجلس سوف يأمر بنشر مراقبين دوليين في سوريا لحماية المدنيين، ومن المرجح أن يسبق ذلك قرار من الجامعة العربية، ومن المؤكد أن النظام السوري سوف يرفض القرارين العربي والدولي ليبدا الفصل الاخير من المسرحية الدامية التي لن يكتوي بنارها غير الشعب السوري. لا أحد في عالمنا العربي يريد أن يتعظ بغيره، وبدلا من أن تفكر الأنظمة الحاكمة في الاحتماء بالشعوب تحتمي بالقوي الخارجية، وبدلا من أن توفر لمواطنيها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية تواصل سياسة القمع والاقصاء والقصف بالدبابات والاسلحة الثقيلة، وهكذا تمضي الدول العربية واحدة تلو الأخري بخطوات سريعة نحو الاحتلال والخضوع للوصاية الاجنبية! ما يحدث في سوريا الآن يذكرنا بما حدث قبل سقوط صدام والقذافي، ومن الواضح أن سوريا لن تكون الاخيرة ، فكل المؤشرات تقول أن المنطقة كلها مستهدفة بما في ذلك الدول التي لم تتعرض لاضطرابات داخلية، ومن الواضح أن هناك سايكس- بيكو جديدة لاعادة رسم الحدود والادوار ومناطق النفوذ، وليس مستبعدا أن تتعرض دول عربية للتقسيم في وقت لاحق. للاسف سوريا والمنطقة كلها تتحرك بخطوات سريعة نحو المجهول، ولا أحد يريد أن يفعل شيئا لتجنب الكارثة!