سقط طاغية عربي آخر في ليبيا، ولكن أهم ما جرى كان انقسام الجيش حتى صارت أغلبيته في صفوف الثوار الذين زحفوا قرية بعد قرية ومدينة بعد مدينة حتى وصلوا إلى العاصمة وما جرى في ليبيا عندما نشبت الثورة على حكم مجنون استمر لمدة 42 عاما وسط تصفيق لخليفة عبد الناصر وأمين القومية العربية ثم الأفريقية مع أوصاف أخرى كثيرة، شيء مختلف قامت الثورة ورد عليها الزعيم بالمذبحة تلو المذبحة كما اعتاد على التعامل مع الجرذان واقتربت مدرعاته من بنغازي معقل الثورة ونقطة بدايتها ولأول مرة في شهر مارس تصدر الجامعة العربية قرارا تطلب التدخل الأجنبي من أجل حماية المدنيين واستجاب مجلس الأمن بإصدار القرار 1973 وعندما كانت دبابات القذافي على مشارف المدينة الثائرة تولت الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية تدميرها ولم يكن الأمر إنقاذا للمدينة فقط، ولكن للثورة أيضا. ومع ذلك اختلفت الثورة الليبية عن جارتيها التونسية والمصرية في تعامل النظام القائم وقتها بزعامة العقيد الراحل معمر القذافي وأولاده بالقوة مع الاحتجاجات، وهو ما أخرج وسائل إعلام متعددة عن وقارها لتبث لقطات القبض عليه وجثته بعد موته لتأكيد الخبر للمتابعين، وبعد دفن العقيد أعلن المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي انتصار الثورة وتحرير كامل ليبيا، وأعاد انتصار الثورة الليبية الوهج مرة أخرى إلى إرادة الشعوب في المنطقة العربية. فقد كان لحمل الثوار الليبيين السلاح ضد نظامهم القاسي تأثير سلبي على حركات التحرر المدنية التي عرفتها بلدان مثل تونس ومصر واليمن وسوريا؛ ولكن بعدها سريعاً ظهرت في بعض دول المنطقة أصوات محافظة تحذر من النموذج الليبي بهدف تهدئة الشارع وإجهاض حركات التغيير المدنية؛ مثل هذه الأصوات تردد صداها في المغرب وظهر لها منظّرون في الجزائر. وسعت أنظمة خليجية إلى استثمار المشاهد البشعة للحرب الليبية من أجل قمع شعوبها وإخماد صوتها كما حصل في البحرين. لقد لعب القذافي الذي لم يخف منذ اليوم الأول معارضته ل"الربيع العربي" دورا بشعا في الإساءة إلى حركات التحرر المدنية في الدول العربية عندما واجه أصوات التغيير المدنية والسلمية التي ظهرت لأول مرة في مدينة بنغازي بفوهة بنادق الدبابات ونيران الراجمات ممّا حتّم على الثوار حمل السلاح ودخلت البلاد في حرب طاحنة أدى فاتورتها الشعب الليبي الذي سقط منه خمسون ألف ضحية على طريق التحرير ومازال. لكن الوجه السلمي في نموذج الثورة الليبية طيلة الشهور السبعة التي استغرقتها هي أنها عطلت حركة التسونامي العربي لعدة شهور وربما بعثت الأمل عند بعض الأنظمة المستبدة بأن ما حصل في تونس ومصر لن يتكرر عندها لها كما حصل ويحصل في سوريا واليمن اللجوء إلى استعمال العنف للتصدي لثوراتها الداخلية بدعوى حماية استقرار بلدانها من انتقال العدوى الليبية؛ اليوم ومع النجاح الباهر للثورة الليبية ستنظر الشعوب العربية إلى الخيار الليبي أي الخيار البديل وهو التدخل الغربى للتغيير عند الشعوب التي تواجه أنظمة مستبدة وشرسة كما يحدث في سوريا. مقتل القذافى جاء إعلان مقتل معمر القذافي بعد ثمانية أشهر من انطلاق الانتفاضة ضد نظامه في فبراير الماضي وبعد شهرين من سقوط العاصمة طرابلس بأيدي الثوار وتواريه عن الأنظار منذ ذلك الوقت؛ ولكن المعركة الحقيقية لبناء ليبيا الجديده لم تنتهِّ وبدأت مع مقتل العقيد معمر القذافي الذى أطلق على نفسه ألقابًا كثيرة نصب نفسه عميد للرؤساء وملكا على الملوك؛ إنه ظاهرة لا نعلم ما إذا كانت صوتية أم لا تورط في قضايا عدة ارتبط اسمه بأكثر من ملف إرهابي في البلدان العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر إخفاء الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر مع رفاق له أيضا على المستوى الغربي لم يكن بأفضل فهو من كان وراء تفجيرات إرهابية في الجو وعلى الأرض ولكن ماذا بعد القذافي؟ المستقبل سيكون أصعب بكثير من الماضي لأن هذه الدولة التي هي ليست دولة بكل معنى الكلمة تحتاج إلى إعادة بناء، وهذا يذكر بما جرى في العراق عندما أعدم صدام حسين وعندما قلب النظام وحتى الآن فإن هذا البلد المنكوب لم يخرج من نكبته ولازال العراق يعيش على بركان لا يوجد إعمار في العراق ولا توجد ديمقراطية ولا أمن ولا عدالة هناك أكثر من أربعة ملايين شخص هجروا أو نزحوا داخل أو خارج وطنهم. وحدوث نفس السيناريو متوقع في ليبيا خاصة أن الخلافات بدأت تعصف "داخل المجلس الانتقالي الليبي" بين موالين للغرب وبين إسلاميين وبين بعض العناصر التي كانت قد انشقت عن القذافي والتي لديها برنامج مختلف عن بقية الأطراف إضافة إلى البعد القبلي المهيمن على السياسة وعلى المجتمع الليبي.