قل لي من هو مستشارك أقل لك من أنت.. وقديما قال الحكماء: مستشارك حصانك. إذا أحسنت اختيار صانك وإذا أسأت اختياره خانك. البديهي أن يكون الرئيس مرسي عنده خيرة مستشاري مصر لأنه رئيس لبلد كبير. والبديهي أن المستشار يدل مستشيره علي ما فيه خير البلاد والعباد. فيرشده إلي ما فيه الصالح العام وليس فيه المصلحة الخاصة لجماعة. ويدله علي ما فيه الاستقرار وليس علي ما يؤدي إلي التوتر والاستنفار. مرسي أقسم أنه رئيس لكل المصريين وليس للحرية والعدالة أو الإخوان فقط. والطبيعي أن المستشارين يساعدونه ويعاونونه في ذلك. ويقولون له دائما: التقوي هاهنا ويشيرون بأصابعهم السبابة إلي مصلحة كل الناس. خصوصا وأن مرسي لم ينجح بأصوات الإخوان فقط وانما بأصوات الشعب بكل طوائفه وأشكاله وألوانه. وبالتالي لايجوز احتكار رئيس لمصلحة فئة أو تيار. أم الكوارث أن هؤلاء المستشارين بنظرتهم الضيقة تلك يفقدون مرسي الكثير من أسهمه ورصيده في الشارع وبالتالي هم مخطئون في حقه وحق الوطن. فإن كان الرئيس لايعرف ذلك فتلك مصيبة وان كان يعرف فالمصيبة أعظم. قلت في مقال الأسبوع الماضي إن فرقا كبيرا يجب أن يكون في قرارات الريِّس مرسي وقرارات الريس حنفي في فيلم ابن حميدو.. الرئيس مرسي ربان لسفينة مصر. والريس حنفي مالك للمركب "نورماندي 2".. سفينة مصر لكل المصريين. ونورماندي لعائلة وأقارب وأحباب الريس حنفي.. الريس مرسي قراراته يجب ألا تنزل الأرض أبدا لأنها مدروسة وموزونة ومحسوب كل احتمالات ردود أفعالها.. والريس حنفي قراراته تنزل الأرض دائما. دللت في المقال علي بعض النماذج. ولكنني فوجئت بعد ساعات بنموذج جديد وهو قرار تعيين النائب العام سفيرا لمصر في الفاتيكان.. المفترض ان القرار اما صحيح وجاء بعد دراسته واستشارات سليمة وبالتالي لابد من التمسك بتنفيذه مهما كانت ردود الأفعال والعواقب.. واما أنه غير صحيح أو جاء بدون دراسة أو نتيجة استشارة غيرموفقة تجاهلت عامدة أو دون قصد أو وعي- أنه يعد تعديا علي استقلال السلطة القضائية حيث يطيح بمباديء دستورية متفق عليها منذ عام 1923 وحتي الآن. وبالتالي لا عيب علي الإطلاق في ان تقول مؤسسة الرئاسة وبشكل مباشر: رجعنا في القرار لأنه غيرمدروس. لكن ما حدث أن الأعوان والمستشارين المقربين من الرئيس راحوا يكابرون بل وللنائب العام وعلي طريق دس السم في البسبوسة يهددون.. قالوا إنها ترقية وأكدوا ان سلطات الرئيس أن يعين النائب العام سفيرا ولو في القمر وعلي الأول أن يأمر وعلي الأخير أن يقول سمعا وطاعة.. وعندما أصر المستشار عبدالمجيد محمود علي موقفه مؤكدا أنه لن يبرحمكانه حتي لو اغتالوه. وجدنا أن مستشاري الرئيس بدلا من أن يعيدوا النظر في استشارتهم ويقولوا للرئيس لقد أخطأنا النصح وأسأنا تقدير الموقف. يهددون النائب العام تهديدا ناعما "علي طريقة البارودي في فيلم الزوجة الثانية اقبل يا ابوالعلا واطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم. العمدة راجل قادر يا ولدي والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا".. إذ راحوا يقولون لعبد المجيد محمود اقبل ونفذ في أسرع وقت. لأنك لو ركبت دماغك وذهبت إلي مكتبك فسوف تجد المتظاهرين هناك وسوف يثورون ضدك ويكون مصيرك مثل مصير السنهوري. وطبعا كلنا نعرف ما هو مصير السنهوري. الذي هاجموه بالأحذية في مكتبه. والمعني طبعا في بطن من ينصح والذي يلوح بأنه إذا لم يستجب فإنهم سيضعون "السيخ المحمي في صرصور ودنه". الطريف ان مستشاري الرئيس وأعوانه عندما وجدوا القضاة يثورون ويغضبون وان الرئيس مرسي قد استجاب لهم غيروا الموجة وبدأوا يرسلون علي تردد جديد يصب في خانة أن النائب العام كان موافقا من حيث المبدأ. لكن الخلاف كان حول التفاصيل. فقد وافق علي أن يكون سفيرا. ولكنه طلب أن يكون سفيرا في بلد عربي وليس في دولة أوروبية لأنه لايجيد اللغة الإنجليزية. وحتي لو كان كلامهم صحيحا والمستشار عبدالمجيد قال هذا الكلام. فالبديهي والمفترض فيمن يقدم الاستشارة للرئيس أن يعرف أن تعيين المستشار عبدالمجيد محمود سفيرا سواء في بلد عربي أو أوروبي غير جائز من الناحية القانونية لسبب بسيط جدا وهو أن السفراء يتقاعدون في سن الستين بينما عمر الرجل 66 عاما. وبالتالي فإن مستشاري الرئيس بدلا من ان يكونوا معه صاروا- وباستشاراتهم غير المحسوبة- ضده لأنهم يورطونه في قرارات عشوائية غير مدروسة. بالورقة والقلم والحساب هؤلاء المستشارون لايحبون مرسي. لأنهم يباعدون بينه وبين الشعب.. مع سبق الاصرار والترصد يزينون له طريق أخونة كل شيء في الدولة. ويصرون أن يظهر مرسي ويتصرف كأنه رئيس للإخوان والحرية والعدالة فقط.. النتيجة أن بعض الذين أعطوه أصواتهم من غير الإخوان بدأوا يشعرون بالتسرع والندم لأنهم وجدوا أنفسهم علي الهامش بينما الإخوان في السنتر ودائرة الضوء والاهتمام. علي سبيل المثال لا الحصر.. المفترض ان كل المصريين يحتفلون مع مرسي في الاستاد بذكري نصر أكتوبر. لأنه أولا رئيس لكل المصريين. وثانيا لأن نصر أكتوبر هو يوم مجيد عم بالفخر وعظمة الانتصار علي مصر كل مصر وعلي المصريين كل المصريين. وبالتالي من غير اللائق أن تقتصر الفرحة والاحتفال بالنصر علي الإخوان فقط. لدرجة ان معظم الحضور كانوا من الجماعة. بل ذكر البعض ان مسئولي الأمن لم يكونوا يسمحون بالحضور الا لمن هو عضو في حزب الحرية والعدالة. وهذا ما قاله كثير من المواطنين في لقاءات تليفزيونية بعد ان باءت محاولاتهم لدخول الاستاد بالفشل. هنا يظهر المستشار الحق الذي يجب ان يقدم الشوري والنصيحة- لايشترط ان تكون مباشرة للرئيس- وانما علي الاقل لصاحب قرار دخول فئة أو طائفة وابعاد آخرين. لأن من يفعل ذلك يري من خلاله نظرته الضيقة أنه يعمل لصالح مرسي حيث يحافظ علي أمنه وسلامته بأن يقصر الحضور علي جماعته ومحبيه. بينما هو في الحقيقة يقوم بتوصيل رسالة عكسية تماما وهي أن نصر أكتوبر هو الآخر قد تم أخونته وان مرسي موافق علي ذلك وعاش مع أهله وعشيرته وجماعته أحلي الأوقات في الاسفار والتنقل معهم. أنا واثق من أن الدكتور مرسي لو كانوا قد استشاروه في الأمر لم يكن سيوافق. بل انه ربما أبعد من كان سيشير عليه بذلك. لأنه في نهاية الأمر يضر ولاينفع. بل هو مثل نافخ الكير اما أن يحرق ثيابه ويثير غضب الشعب منه. أو يشم منه رائحة كريهة. من هذا المنطلق يجب أن يعيد الرئيس النظر في مستشاريه والمقربين من دائرة صنع القرار وكذلك المتحدثين باسمه. لأن كل من يقول كلمة أو يقوم بتصرف هو في النهاية محسوب عليه بالإيجاب أو السلب.. علي سبيل المثال من أشار أو أمر أو حتي لمح بهدم منصة المعارضين لمرسي وضربهم في جمعة الحساب لابد أن يحاسب لأنه يضر بالثورة أولا ويسيء إلي الرئيس ثانيا. فيلفهم هؤلاء أنهم يزيدون الاحتقان احتقانا. ويعطلون مصالح البلاد والعباد. حيث نعود كل أسبوع إلي جمعة ومليونية. جمعة ترد علي جمعة ومليونية ترد علي مليونية والنتيجة المزيد من الخراب والسبب أن بعض المنتمين للحزب الحاكم الجديد يسيرون علي نفس الطريق الذي كان يسير عليه الحزب الحاكم القديم.. ومن الوطني للحرية والعدالة يا مصري لاتحزن. يا دكتور مرسي من فضلك اذا أردت أن تحافظ علي من اختاروك وانتخبوك أرجوك غيرّ العتبة.. بعض الاستشارات فيها سم قاتل.