مرة أخرى تجذبني إحدى القصص الرومانسية التي يتناقلها الناس، ومنهم الكثير من زملائي، على مواقع التواصل الاجتماعي، وأجد نفسي أفكر فيها للأسف بشكل مختلف عما رآه الجميع، حتى أنني دخلت في مناقشة حامية الوطيس حولها مع إحدى صديقاتي العزيزات، وهي أيضاً زميلتي في العمل، وطبعاً تمسكت كل منا برأيها، لينتهي بي الأمر بأن أقرر "تدويل القضية" بلغة السياسة، أو فلنقل طرحها على الجميع لمناقشتها وإبداء الرأي في الأمر. القصة لمن لا يعرفها، والمنقولة عن أصل أجنبي مجهول المؤلف - بحثت طويلاً على جوجل لأعرفه وفشلت- تُحكَى على لسان رجل قرر بعد زواج دام لعشر سنوات أن يحصل على الطلاق من زوجته لأن حياتهما قد أصابها الفتور لدرجة جعلته يعشق امرأة أخرى وينوي الزواج منها بمجرد طلاقه، لكن زوجته عند مواجهتها بذلك تربط الأمر بشرطين أساسيين حتى توقع له على أوراق الطلاق: الأول أن يؤجل الموضوع لمدة شهر ولا يبلغ ابنهما الصغير به في الوقت الحالي، والثاني أن يوافق هو على حملها كل يوم بين ذراعيه من غرفة النوم وحتى باب المنزل قبل ذهابه لعمله في الصباح. ومع مواظبة الزوج يومياً على حمل زوجته بهذا الشكل تستيقظ مشاعره نحوها من جديد ويشعر مع نهاية الشهر أنه لم يعد يرغب في الحصول على الطلاق بعد الآن، ويحسم موقفه لدرجة أنه يواجه حبيبته - التي كان ينوي الزواج منها بعد الحصول على حريته - بأنه لن يطلق زوجته وسيستمر في حياته معها بعد أن اكتشف أنه ما زال يحبها. لكن عند عودته للمنزل حاملاً الزهور لزوجته يجدها قد فارقت الحياة ويكتشف أنها كانت مصابة بالسرطان وتعلم من البداية أنها ستموت قريباً. وفي السطور الأخيرة يبلغنا المؤلف المجهول بالرسالة التي أرادها من القصة وهي أن المرأة أرادت ألا يعلم طفلها حتى النهاية برغبة والده عن الانفصال عنها، بل يظن أنه بقي على حبه وإخلاصه لها حتى النهاية. كانت القصة عندما قرأتها بالعربية تنتهي فقط عند عدول الزوج عن رغبته في الطلاق، وعودته للمنزل حاملاً الزهور لزوجته، لكن صديقتي أكدت لي أنها قرأت النص الأصلي باللغة الإنجليزية وأخبرتني عن النهاية الحقيقية التي ذكرتها لكم بالأعلى، وهنا تغير رأيي تماماً حول الموضوع. فلو كانت الحكاية تنتهي بعودة الزوج إلى زوجته وأم ابنه بعد اكتشافه مدى حبه لها، وعدم قدرته على فراقها، والأهم قدرته على حسم مشاعره بشكل نهائي لصالحها، والتخلي تماماً عن الفتاة الأخرى واعتبار أمرها منتهياً، لكان ذلك قمة الرومانسية ولكانت نهاية سعيدة ومنطقية جداً، ولبصمت حينها بأصابعي العشرة على ذكاء وسرعة بديهة تلك الزوجة المحبة التي استطاعت بفكرة بسيطة وفعالة للغاية أن تسترد قلب زوجها واهتمامه وتحسم الأمر لصالحها دون الدخول في أي نوع من الشد والجذب أو المنافسة مع المرأة الأخرى. أما مع اختلاف النهاية، ووفاة الزوجة بهذا الشكل المأساوي المحتوم بسبب مرضها الخبيث الذي كانت هي على علم به وأخفته عن زوجها، فأنا مُصرّة على أن ما فعلته مع زوجها لم يكن حباً، بل كان انتقاماً قاسياً مكتمل الأركان، فلا هي ستنعم معه بحياتهما وحبهما الذي عاد للحياة من جديد، ولا هي تركته في حاله بعد أن فترت مشاعره نحوها ليكمل حياته من بعدها مع المرأة التي كان مقتنعاً بحبه لها ورغبته في الزواج منها قبل أن تنفذ زوجته حيلتها، وتعلقه بها من جديد، وتجعله يتخلى عن المرأة الأخرى ويعود لها زوجاً عاشقاً يرغب في البقاء إلى جوارها وحملها كل يوم بنفس العشق والرومانسية حتى آخر العمر. ماذا بقي لهذا الرجل المحطم بعد هذه النهاية؟ لقد أصبح أرملاً وحيداً تركته زوجته التي يحبها الآن بجنون، وتبددت مشاعره نحو المرأة الأخرى التي كان واثقاً من حبه لها من قبل، والتي لن تقبل العودة إليه حتى لو عاد إليها نادماً، كما أن لديه طفلاً يتيماً لا يجد من يرعاه. ظلت صديقتي مقتنعة بالفكرة الرومانسية المثالية التي طرحها المؤلف، وذكرت أن الرأي الآخر الذي أطرحه أنا يصلح لأن يكون وجهة نظر لرجل، أو للمرأة الأخرى التي كانت تنوي الزواج من البطل، بينما أكدت لها أنا أن هذه السيدة لو كانت فعلاً تعشق زوجها وتحبه حباً حقيقياً لا ينطوي على تملك أو أنانية أو انتقام، لتمنت أن تتركه في هذه الحياة سعيداً مستقراً مع امرأة تحبه، ولاطمأن قلبها أنه سيكمل طريقه بأمان بعد رحيلها، وأن طفلها سيجد امرأة أخرى تربّيه وترعاه بعد وفاة أمه، وأقسمت لها بالله صادقة أني لو كنت مكانها لفعلت ذلك، وتغاضيت عن الإساءة في الوقت الذي أستعد فيه لمغادرة العالم. لكن بفعلتها هذه تركته وحيداً محطماً، وتركت ابنها يتيماً بائساً لا يجد من يحن عليه أو يرعاه. ولو كنت مكان المرأة الأخرى، فعلى العكس من رأي صديقتي، كنت سأفرح أن القدر أراد أن يكشف لي زيف مشاعر ذلك الرجل نحوي، بعد أن تخلى عني بهذه البساطة رغم الحب الذي ادعى من قبل أنه يحمله لي، فهو حتى وإن لم يتعمد ما حدث، إلا أنه جرح طرفاً ثالثاً لا ذنب له بسبب حماقته وجهله لحقيقة مشاعره وقوتها نحو زوجته. النقاش الآن مفتوح لكل رجل وامرأة، وبصفة خاصة لكل من يعرف معنى الحب الحقيقي الخالص الذي يعني باختصار أن تكون سعادة من تحب هي غاية آمالك ومبلغ سعادتك الشخصية. ما رأيكم؟ لو كنت عزيزي القاريء رجلاً، ما شعورك لو كنت مكان بطل القصة، وانتهت الأمور بهذا الشكل؟ وأنتِ عزيزتي القارئة... هل تؤيدين ما فعلته الزوجة الراحلة؟ وهل لو كنتِ أنتِ مكانها لتصرفتِ مثلها أم كنتِ ستتخذين مسلكاً آخر؟ في انتظار آرائكم وتعليقاتكم.