لطالما عاب السلفيون على الإخوان انشغالهم بالعمل السياسي على حساب الدين والدعوة، متهمين إياهم بأنهم طالبو سلطة.. وها هم سلفيو مصر الآن يدلفون إلى دهاليز العمل السياسي بتشكيل الأحزاب ودخول البرلمان.. ومع تحقيق السلفيين مكاسب في المعركة البرلمانية يرونها متوقعة ويعتبرها كثيرون مفاجأة، زاد الحديث عن مخاوف من تزايد تأثير المد السلفي على المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، لا سيما بعد تصريحات لبعض من أفراد الجماعة في أعقاب ثورة 25 يناير التي أطلقت المارد المكبوت منذ سنوات داخل أطياف مجتمعية عديدة. ويبدو أن ما يمكن أن نسميه ب " الجناح السياسي الناشئ للسلفيين" أدرك مؤخرا أنه طالما اختار الانخراط في لعبة السياسة، فعليه أن يناور وفقا قواعدها وأن يبذل "تنازلات" ليتمكن من مجاراة أهلها، وهو ما بدا واضحا في تصريحات تطمينية تنسلخ عن الأيديولوجية السلفية، ما قد يهدد بشق عصا هذه الجماعة. هذه المفارقة تجلت على الأخص في حلقة الأمس 5-12-2011 من برنامج "آخر النهار" للإعلامي حسين عبد الغني، الذي أجرى لقاءين منفصلين مع رئيس حزب النور الدكتور عماد عبد الغفور والشيخ ياسر برهامي - أحد أعلام الدعوة السلفية في مصر، إذ ظهر تباين ملحوظ في تعاطي قيادييّ الجماعة مع الأسئلة المطروحة.. فبينما جاءت بعض إجابات د. عبد الغفور غامضة أحيانا وفضفاضة أحيانا أخرى - حيث أكد أن حزب النور سيراعي المصلحة العامة في كل شيء وأنه على استعداد لإقامة علاقات مع أمريكا ووضع يده في يد ساويرس، جاء الشيخ برهامي ليعلن صراحة ودون مواربة أنه لايقبل أن يتولى الأقباط رئاسة الجمهورية أو المناصب السيادية مثل وزارة الدفاع، قائلا بأنه عندما يقبل الأمريكيون او البريطانيون او الإسرائيليون برئيس مسلم سيوافق السلفيون على أن يكون رئيس مصر قبطيا.. بعدها بدقائق كان محمد نور المتحدث باسم حزب النور السلفي ضيفا ببرنامج يسري فودة على قناة أون تي في، حيث شرع في حديث أكثر عاطفية وحماسة، مؤكدا أنه يود احتضان كل من يخاف السلفيين وتقبيل رأسه. بل إنه عندما سئل عن الخمر قال إنه لا شأن له بالخمر.. نور أيضا كان قد أعلن منذ أيام أن "السلفيين لن يمسوا شعرة من أي مسيحي". ورغم هذا التحول البادي في أراء السياسيين الجدد داخل الجماعة السلفية، يبدو أنه لايزال أمامهم طريق طويل لاكتساب خبرات حقيقة بدروب السياسة الوعرة وكيفية التعاطي بذكاء مع الايديولوجيات الأخرى داخل المجتمع، وهو الأمر الذي يؤشر بشقاق قادم بين المتمسكين بالمنهج الدعوي الأصلي للجماعة ورفاقهم الذين غرتهم الأحزاب وصناديق الانتخاب. وهنا يأخذنا الحديث إلى سؤال آخر حول شكل علاقة كتلة السلفيين البرلمانية مع كتلة الإخوان، وهل يمكن أن يتحالفا بعد التصريحات الأخيرة لقياديي حزب النور؟ أم أن الأخيرة ستفضل التحالف مع الليبراليين لتأكيد احترامها للقيم الديمقراطية وتهدئة مخاوف الغرب من فزاعة الإسلام السياسي - كما يقول بعض المحللين؟ كذلك هناك احتمال آخر وهو أن يسعى الإخوان لتشكيل تحالف مع بعض الوجوه المعتدلة من السلفيين والليبراليين المستقلين لتحقيق المعادلة الصعبة.