كشأن كل مصري يهتم لأمر وطنه، ساءني ما آلت إليه الأوضاع في البلاد في الآونة الأخيرة. لقد كان مساء الحادي عشر من فبراير الماضي آخر مرة أرى فيها وجه مصر متهللا فرحا بما حققه أبناؤها، لكن سرعان ما توالت الصدمات القاسية لتضيع زهوة الانتصار. تمكن مني الإحساس بالاكتئاب بعدما رأيته أمام ماسبيرو من معارك بين المعتصمين الأقباط وبعض البلطجية الذين رباهم النظام السابق في فناءاته الأمامية والخلفية. وقادتني نظرتي المتشائمة في تلك اللحظة بالذات إلى الشعور بأن الخروج من النفق لا يبدو قريبا- أو حتى بعيدا. بالطبع أحداث ماسيبرو لم تكن وحدها السبب في هذا الإحساس، فهناك الكثير من التطورات السلبية التي جرت ولا تزال تجري .. مظاهرات فئوية، اعتصامات، إضرابات، تراخٍ وانفلات أمني، هروب السائحين، تدهور الاقتصاد، ...إلخ ، كلها أحداث دلت للأسف على أن الشعب عجز عن حماية ثورته، وأن هيبة الدولة قد سقطت، وأننا قد دخلنا دوامة الفوضى اللامتناهية.. لكن الطامة الكبرى كانت في تلك الفتنة التي وقعت بين عنصري الوطن بعد مكائد من عناصر عزّ عليها أن ينصلح حال هذا الوطن.. وكنا نعتقد أننا جاوزنا عقدة المسلم والمسيحي بعدما رأيناه من تعاضد بين الطرفين إبان الثورة، تلك الثورة التي تجلى خلالها تكاتف الجانبين في ملحمة رائعة أدهشت العالم أجمع. لكن يبدو أن جذور المشكلة الطائفية أعمق بكثير مما كنا نتصور- وهي كذلك. وليست مشكلتا كاميليا وعبير إلا متنفسا للتعبير عن احتقان دفين بين العنصرين متمركز في بؤر بعينها يعرفها الكثيرون، عمد الحكام إلى إهمالها تارة وتسكينها تارة أخرى، بل وتغذيتها في أحيان أخرى. كذلك كانت هناك عوامل أساسية ساهمت في تنمية هذا الشعور بالانفصال والعداوة، وأعني هنا ثالوث التطرف والعناد والكيد الداخلي والخارجي. نعم الكيد من الخارج.. ذلك أنه لا يخفى على أحد الانزعاج الإسرائيلي من الحالة المصرية، لا سيما بعد تصدر الإخوان المسلمين المشهد السياسي في مصر في مواجهة الليبراليين والعلمانيين، وتنامي ظهور تيارات دينية تبحث هي الأخرى لنفسها عن دور بعد تغييبها سنوات طويلة، ناهيك عن دعم القضية الفلسطينية متمثلا في توقيع المصالحة والتلويح بإمكانية فتح الحدود مع غزة وخطط الزحف نحو القدس.. لذا كان طبيعيا أن يتضاعف الجهد الصهيوني لإشعال نار الفتنة والوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، وليس هذا بالأمر العسير عليه طالما أن هناك أرضا خصبة لذلك، ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق مائير داغان لم يتورع عن الاعتراف بدور إسرائيل في إشعال الفتن الطائفية في مصر، وهو الرجل الذي قضى ثماني سنوات كاملة في منصبه قبل انتهاء خدمته أوائل يناير الماضي. وبدلا من أن نتكاتف في وجه هذه المؤمرات التي تُحاك في السر والعلن، وجدنا أنفسنا نتآمر على أنفسنا بعد أن غابت عقولنا وتشتت قلوبنا واختلفت أهواؤنا، إذ أصبحنا نغلب ما يبدو كمصالح خاصة على الصالح العام. لا أبالغ إن قلت إننا في حاجة إلى معجزة تشبه معجزة قميص يوسف الذي رد إلى يعقوب بصره وكان سببا في التئام شمل أولاده.. نحتاج إلى من يرد إلينا بصيرتنا .. إلى من يجمعنا على قلب رجل واحد ولو إلى حين، لكننا للأسف لا نكاد نبصر خيالا لهذا القميص أو صاحبه ولو من بعيد، بل إننا لا نجد ريحه.. الصورة في مصر قاتمة .. لكن طالما أن هناك نيلا يفيض وأرضا تنبت وشرفاء يخلصون لبلدهم، فلابد أن نتمسك بشئ من الأمل، عل الله أن ينقذ هذا الوطن من عبث الداخل ومؤامرات الخارج.