مساءً وأنا أفكر فيما حدث ويحدث على أرض مصر، تذكرت كلمات قالها الرئيس السابق محمد حسني مبارك وهو يحاول البقاء في السلطة بعدما تغيرت الأمور وتبدلت في يوم وليلة من حال إلى حال. قال مبارك محذراً: "أتحدث إليكم في لحظات صعبة يتعرض فيها الوطن لأحداث عصيبة واختبارات قاسية بدأت بشباب ومواطنين شرفاء مارسوا حقهم في التظاهر السلمي تعبيراً عن همومهم وتطلعاتهم وسرعان ما استغلهم من سعى لإشاعة الفوضى واللجوء إلى العنف والمواجهة وفى القبض على الشرعية الدستورية والانقضاض عليها". "إن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض علينا جميعا قيادةً وشعباً الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار وتطرح أمامنا ظروفاً جديدة وواقعاً مصرياً مغايراً يتعين أن يتعامل معه شعبنا و(قواتنا المسلحة) بأقصى قدر من الحكمة والحرص على مصالح الأسرة وأبنائها". خطاب مبارك كان واضحاً ولا يحتاج إلى محلل فقد كان يحذر من "الإخوان المسلمين" وهو ما قاله صراحةً للرئيس الأمريكي باراك أوباما، فماذا لو عرفت أن الخيار السابق كان مبارك أو الإخوان؟ ربطت القيادة بين بقائها وبين استقرار الوطن عندما شعرت أنها العصا التي تضرب الثور الهائج وأنها صاحبة الفضل وكأنما تقول "أنا اللي مربياكم - لو فلتوا تضيعوا" وأخشى أن يكون ذلك صحيحاً. أذكر أيضاً كلمة مبارك لأوباما هاتفياً عندما قال له "أنت لا تعرف ثقافة الشعب المصري - إنهم غوغاء". لقد احترت في لجهة مخاطبتي لك يا مبارك، فأنا أريد أن أقول أيها الديكتاتور الظالم يا من جعلني وملايين مثلي بلا حلم ولكن في نفس الوقت ربما ضاعت جميع أحلامنا فخلق الله لنا حلماً جميلاً يدعى "مصر". ربما أود أن أقول لك أيها الفاسد ولكن في نفس الوقت سأحاول أن أكون حيادياً فلن أنكر أن عسكري المرور وموظف التحويلة وشاويش القسم كانوا يتلقون الرشاوى من الشعب وبعد رحيلك لا تزال هناك الكثير من السلبيات الشعبية، فيبدو أنني لم أقصد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وإنما يريد إسقاط "كل ما هو فاسد" في هذا الوطن فإسقاط النظام وحده لا يكفي فالشعب كان جزءاً من منظومة فاسدة. سأخاطبك يا مبارك باعتبارك قائداً راهن على "غوغائية" شعبه وسأقول لك: ربما أن الشعب المصري عانى أمداً طويلاً من القهر والظلم والفساد فصار تائهاً لا يدرك الحقائق ولكن القهر ربما يدفع الكثيرين إلى التعقل فمن ذاق الظلم سيخشى أن يظلمَ الآخرين ومن ذاق "طعم" الحرية الحقيقية يوم خروجك من السلطة خاف عليها وتردد مائة مرة قبل أن يشارك في تظاهرة أو يطلب المزيد. أشعر يا مبارك وكأن الشعب المصري هو طفلٌُُ وديع علّمته أنت أقبح الرذائل فجاءه رجل صالح وأعطاه "لعبة" وهمس في أذنيه - بالطبع ستشعر بأنفاسه تخترق الصمت وسترى الخوف في جوانحه والحيرة في عينيه وستشاهد توجساً من العالم ولكنه سيبدأ تدريجياً في الهدوء حتى يجلس ويتذكر أنه في الحقيقة طفل، إنها براءة المصريين وحقيقتهم التي لا تعلمها فأنت كنت بعيداً عنهم. ولكنني في نفس الوقت أصبت بالدهشة والتعجب عندما اتهمك البعض بالعمالة وأنك من أعوان إسرائيل في المنطقة، فلو كنت كذلك لما رحلت قبل أن تسلم بلدنا إليهم أو لتكبرت مثلما يفعل معمر القذافي الآن والنتيجة معروفة هي دخول أمريكا إلى الأراضي الليبية. المشكلة هي أن الشعب عندما يذبح لا يرحم، لأن المذبوح كان طاغياً بكل المقاييس ولكنه لم يكن عميلاً لإسرائيل، أتذكر يا مبارك كلمتك "إن هذا الوطن العزيز وطني، عشت وحاربت من أجله، ودافعت عنه، وسأموت على أرضه، وسيحكم التاريخ بما لي وما هو علي" وأعلم أن التاريخ سيقول إنك كنت جباراً ولكن أخشى أن يقول أيضاً أن "الشعب المصري كان في حاجة إلى جبار". الحقيقة أن مصر قطعة من جنة الله على الأرض يطمع فيها الكثيرون وبها شعب مسالم عانى لأكثر من 60 عاماً قهراً وظلماً وفساداً وفجأة وجد نفسه أمام الحرية فأراد بجميع تركيباته وتياراته ومفرداته أن يغير الأوضاع من القاع إلى القمة وهو مستحيل. التغيير في مصر يجب أن يأتي تدريجياً وعلى الإخوان المسلمين والأقباط والشعب الذي لم ير من مصر سوى وجهها القبيح بفسادها و"باشواتها" ونسائها ومخدراتها أن يهدأوا فالحرية حب والحب لا يأتي بالقوة وإنما يأتي بالترفع، "وفي الشدة يُعرف الرجال". الإخوان المسلمون كنت أتمنى أن يخرج الإخوان ببيان بعد تنحي مبارك يقول إنهم مارسوا حقهم ودورهم التاريخي في إصلاح المجتمع فشاركوا في الثورة وأبوا أن يغادروا مواقعهم قبل رحيل الطاغية، أما وقد رحل فإنهم يترفعون عن مطالبهم ولن يتفاوضوا مع أحد لأن ليس لديهم أي مطالب أو مطامع في السلطة، ولكنهم خرجوا ببيان يبارك إنشاء حزب سياسي ويهلل لانتصارهم التاريخي على مبارك وكأنني أنا الشعب أردت إزاحة مبارك لأفسح المجال للإخوان. الأقباط تمنيت ألا يشعر أقباط مصر بالقلق لأنهم إذا ما صمتوا أشعروني بدوري وقوتي ووجودي فكأنما يقولون لي "إحنا في حمايتكم" فأكون مستعداً لتلقي الرصاص لأفدي أخي المسيحي عملاً بحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" كما قال: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا خصمه يوم القيامة". إن هناك اتفاقاً مبرماً منذ الفتح الإسلامي لمصر حرص فيه المسلمون على طمأنة الأقباط بأنهم أبناء الأرض وتعهد بحمايتهم مقابل ألا يشعر المسلمون بأنهم كالرومان فإذا ما اعتدى علينا أحد من الخارج فنحن يد واحدة لنواجه العدوان، نسيج واحد في دولة لم ولن تجد لها مثيلاً في عالم أمريكا القذر الذي لم يعرف يوماً الإخاء بين ديانتين. عالم أمريكا الذي يهشم رؤوس أطفال العراق عملاً بقول التوراة "يَا بِنْتَ بَابِلَ الْمُخْرَبَةَ طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا! طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ" (سفر المزامير 137: 8-9). إنها أمريكا التي لم تعرف معنى الحرية في فيتنام أو الصومال أو العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو ...... ولكن الكنيسة أبت حتى وأن تصدر بياناً كالذي أصدرته لتحذر الأقباط من المشاركة في تظاهرات 25 يناير ودعتهم إلى البقاء في البيوت والصلاة من أجل "سلامة مصر"، ثم وقفت صامتة حيال تظاهرات ضخمة جاءت لتغنمَ مثلما غنِمَ الإخوان. ألا تعلم أن مصر وكأنما باتت من أشهى "الجاتوهات" وكان يحرسها رجلٌ مسلحٌ فلما رحل تكالب عليها الجائعون فمن أخذ لم يكتف ويشبع ومن لم يأخذ جُن جنونه، أما البطل (الشعب) الذي هزم الرجل المسلح لم يأخذ شيئاً وصمت لأنه عاقل ومتريث ويحب مصر حقاً ويعلم جيداً أن "الكعكة" كلها ملكٌ له في النهاية حتى وإن تبقى منها القليل فسيكون الأشهى لأنه بلا قلق أو خوف، وربما يدرك حارس المنظومة (القوات المسلحة) أن الشعب الصامت هو جوهرة الثورة وهو القنوع المُهذًب الذي رفض أن يعلو صوته فهو ليس همجياً ولكنه في نفس الوقت ذكي فطن ينتظر حقوقه المنهوبة منذ سنين. أتمنى أن يهدأ الجميع وأن تُكللَ "مصرنا" بالنصر على من عاداها وأعتقد أن الحل هو التعقل وتدبر الأوضاع جيداً وفي كل الأحوال لقد عرفت أقدامنا طريق "ميدان التحرير" وإذا لم تنفذ مطالبنا المتلخصة في حرية وعدالة وأمن واستقرار وكرامة وشرف ومساواة فسأتجه إلى هناك، ولكن من العار أن أذهب إلى الميدان لأطالب بتغيير الدستور جملةً أو بإلغاء المادة الثانية من الدستور.. كفى فمصر تحتاجكم أكثر مما تحتاجون أنتم إليها وإلى التسلط عليها، تصرفوا بمنطق "الشهم" الذي سيتنازل قليلاً ويؤجل الحديث عن مطالبه حتى تستقر الأوضاع في المنطقة بأكملها لنرى ربما عالم جديد قال بوش الأب رئيس أمريكا الأسبق أنه كان يقترب. الشرطة سأنتظر عودة الشرطة إلى الشارع وإذا ما طلب مني أحد الضباط التحقق من هويتي أو تفتيشي ذاتياً سأخضع فربما أحمل سلاحاً لأهاجم به الناس وأروعهم، فهذا الضابط مصري وقد يكون أخي أو جاري أو صديقي وما دامت العلاقة ستُبنى على الاحترام المتبادل فلنبدأ عهداً جديداً من أجل مصر، وإذا ما شعرت بأن الضابط يهينني سأكتفي بشكواه وإذا لم أحصل على حقي فالطريق مفتوح إلى ميدان التحرير. لننس قليلاً مبدأ "التعميم" فليس الجميع فاسداً وإلا فإن جميع موظفي الدولة مرتشون وجميع الشعب بلطجية، هذه اللهجة غير مقبولة ولا عقلانية. علينا أن نثق جميعاً بأن ما قبل ثورة 25 يناير لن يعود لأنه من المستحيل أن يعود فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم تبدلت تماماً، وعلينا أن نتذكر أن مصر "دولة" وليست "سوبر ماركت" إنها منظومة كبيرة تعاني من حالة انفلات أمني وأصبح من السهل اختراقها ومن غير المعقول أن نطلبَ من الجيش أن يصبح جيشاً وشرطة وربما شعباً حكيماً يقوم بدور المصلح بين القبائل والعائلات وبين أتباع محمد وأتباع المسيح. عندما أتحدث عن الكنيسة فأنا لا أعني الأقباط جملة وإنما أعني الدور السياسي للكنيسة أي الدور السياسي تحت غطاء الدين، تماماً مثل الإخوان المسلمين فهم ليسوا كل مسلمي مصر، والأغلبية بين الطرفين شعبٌ مسالمٌ ومتآخٍ قابل للتعايش الاجتماعي المبني على أسس الاحترام المتبادل ولكن الأقلية السياسية باسم الدين هي من تشق الصفوف. أخشى تماماً أن تبرز في مصر فكرة "إخوان وأقباط" فهي تذكرني بإيران والعراق والسودان وقبائل ليبيا، إنها تذكرني بالانشقاق باسم الدين مع أن الله الواحد "إلهنا جميعاً" لا يرضى بفرقتنا وضياعنا في الدنيا "لأن اليهود أرادوا ذلك"، أو الانشقاق باسم "الحرية التي ترعاها أمريكا". ربما أفكر فيما هو أبعد من ذلك ولكن أعتقد أن الكثيرين ليسوا مستعدين للاستماع لأن هذا سيكون "مخالفاً لتعاليم الثورة" وكأن الثورة كان هدفها الوحيد هو إسقاط نظام مبارك، إن لها أهدافاً أخرى هي التنوير والتحضر والوعي و"وحدة جميع تيارات الوطن" وكيف يتحقق ذلك والتيارات الممنهجة بدأت بالانخراط في صراع سياسي؟ من يقول إن ما حدث في مصر غير مرتب وممنهج فهو غافل إلى أبعد مدى، من أسقط النظام هم الإخوان مستغلين ثورة شعبية، وعندما شعر الأقباط أنهم في خطر تحركوا ليأخذوا شيئا من "الكعكة" وأعتقد أنهم معذورون في ذلك لأنهم خائفون. ألا ترى معي أن الأمور تسير إلى الأسوأ؟ هل هذه هي الثورة التي خرجت أنا وأنت من أجلها؟ أنا لا أتحدث عن مطالبي فأقسم أنني لم أعد أهتم بها لأن الأهم هو أن هناك شرقاً أوسطياً يتشكل من جديد في مصر وليبيا وتونس والمغرب والجزائر واليمن والبحرين وغداً سوريا فنظامها يمثل خطراً على الكيان الصهيوني ويجب محاصرته. ألم تقرأ أن هناك تظاهرات في الجانب الشرقي من السعودية (الجانب الشيعي) وأن أحدهم لم يخجل أن يقول "إذا لم تتحقق مطالبنا سنحول موسم الحج المقبل إلى حمام دم" ألم تقرأ عن التاريخ؟ ألا تعرف طائفة الفريسيين اليهودية وما فعلته حتى تطرد أتباع المسيح من أورشاليم القدس؟ وما فعلته حتى يسير المهتدون في طريق الأمم والمسيح يقول "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" (إنجيل متى 10: 5: 6). ربما أرى عالماً يحولُ في الأفق ما بين غربٍ مسيحيٍ يسيطر عليه الصهاينة وشرقٍ إسلاميٍ يحكمه إسلاميون متشددون وربما يكون بداية الطريق إلى حرب "هرمجدون" ونهاية العالم فربما ينبغي على الجميع أن يبدأ الحذر من الفتنة. في النهاية أرغب أن تقرأ هذا التحليل "الدولة الإسرائيلية تريد تقسيم العالم بين عالم عربي مسيحي وعالم شرقي مسلم" على الرابط التالي: http://www.aldiyaronline.com/articleTopicInfo.php?rightArticleId=5096&topicId=45