إذا وجدت صليبًا بارزًا، وأنت تقف في شارع محطة نجع حمادي بمحافظة قنا، فلابد أن تعرف أن ذلك الصليب الضخم الموجود على كنيسة نجع حمادي تمَّ نحته على يد الفنان المسلم مصطفى فرج. وإذا شاهدت نحتًا بارزًا على أي مسجد في محافظتي قنا أو أسوان، فسيدهشك أن كثيرا منها صنعتها الأيدي ذاتها التي نحتت الصليب. يضع مصطفى على هاتفه المحمول نغمة للمنشد الصوفي عبدالعظيم المطعني يقول فيها "وب طه دعوت الله أن يحشرني توابا".. ويقول ل"بوابة الأهرام" دعوت باللفظ المقدس "طه" على من نفذ مذبحة نجع حمادي بالهلاك والموت، فقد كدت أنهار وأنا أسمع أن الكنيسة التي نفذت بها النحت البارز والمجسم بداية من الصلبان الظاهرية ونهاية بصلبان الهيكل، ومرورًا برسومات الهيكل، تشهد مذبحة مروعة راح ضحيتها أبرياء من المسيحيين والمسلمين. يسترجع مصطفى ذكريات حادث نجع حمادي: " كنت مشغولا بالانتهاء من أعمال كنيسة الملاك بقرية "هو" التابعة لمدينة نجع حمادي، فسمعت خبر الاعتداء الذي وقع بعد خروج المصلين من كنيسة نجع حمادي، ووجدت كاهن الكنيسة يبكي ويمنعني من العودة لبلدتي خوفا من الطريق، فقمت بمواساته ودعوت على القتلة. في لحظة صمت.. جلس مصطفى في زاوية ما في الكنيسة، وتذكر دعوة الشيخ أحمد الطيب -شيخ الأزهر حاليا- الذي شهد على براعة يده عندما رآه يرسم الآيات القرآنية على المساجد وسأله وقتها عن طبيعة الفن الذي يمتهنه فرد قائلا "نحات في بيوت الله ياسيدنا..الكنائس والمساجد معًا"، فدعا الطيب ليد مصطفى " اللهم اجعلها دائماً لبيوتك" بعدها أوصاه ببيوت الله جميعها سواء مساجد أو كنائس. نحت الحجارة يوحد الفن القبطي والإسلامي - كما يقول مصطفى- لكن الطراز هو الذي يختلف سواء في الشكل أو الخامة، فمثلا نجمة الفن الإسلامي تتكون من 8 زوايا، بينما تتكون النجمة في الفن القبطي من 4 فقط. يشرح الفنان الذي لا فرق لديه بين نحت الصلبان وكتابة آيات القرآن "نحت الصليب على النظام الكاثوليكي أصعب من نحته على النظام الأرثوذكسي نظرا لأن الأول أصعب في دوائره أما الثاني فيساعد دورانه على سهولة رسمه". بابتسامة هادئة يروي مصطفى ذكرياته في الأديرة والكنائس والمساجد: "حين كنت أعمل في مسجد سيدي عمر كان القائم على أعمال المحارة والنجارة مسيحيان، وكنت أنا الوحيد المسلم الذي يقوم برسم الآيات القرآنية والسلاسل وغيرها.. أما في دير سوهاج فكنت أنا ومجموعة مسلمة نعمل في شهر رمضان، وكان إخواني المسيحيين يأتون لنا بالإفطار ويفسحون لنا حديقة الدير للصلاة، لأنني أخبرتهم أن ديننا يرفض الصلاة في الكنائس والأديرة لكي لايتخذها أحد فرصة للاستيلاء عليها ويقيم مسجد بدلا منه وهذا مايرفضه الإسلام الحقيقي". يفضل مصطفى صورة مار جرجس "وهو بيطعن التنين بحرابه وصورة السيدة مريم العذراء" باعتبارها من أجمل الصور التي رسمها في الكنائس، لكن في المساجد " يفضل سورة النور وأسماء الله الحسنى". صورة مار جرجس "وهو يطعن التنين بحرابه" تثير في نفس مصطفى روح التماسك التي يجب أن تسود بين المسلم والمسيحي، فيقول "على كل مصري أن يمسك حرابًا لطعن ذلك "التنين" المسمى بالفتنة الطائفية، وهذا أضعف الإيمان".