سطرت نساء مصر بطولات أذهلت العقول وخطفت القلوب بصمودهن وثباتهن ضد إرهاب الانقلاب الدموى بآلاته القمعية ومجازره الوحشية، فالمواقف البطولية أكثر من أن ترصد أو تدون، يكفى أن فى مجزرة رابعة وفى أثناء الإبادة الجماعية للمعتصمين السلميين كان النساء فتيات وعجائز فى الصف الأول وفى المقدمة يواجهن رصاص الغدر وبطش جنود فرعون وهامان، يأبين التراجع وترك الصدارة للشباب، وينافسن الشباب على الشهادة فى سبيل الله، وكن يستنكرن طلب الشباب لهن بالتراجع، ويقلن هل تريدون أن تنالوا الشهادة أنتم فقط، والله إنا لنحرص على الشهادة أكثر منكم. يحكى الدكتور مجدى الهلالى أنه فى أثناء الفض قام شابان بحمل مصاب فأصابهما رصاص القناصة فوقعوا جميعا ووقف الحاضرون فى حالة عجز لا يستطيعون إنقاذهم خوفا من رصاص القناصة ووابل الرصاص، حتى جاءت امرأة وحاولت أن تحمل أحد المصابين والرصاص من فوقها ومن أسفل منها، ثم صرخت فى الجميع (أنتم خفتم؟!) مما شجعهم على اختراق الرصاص وحمل الشباب المصاب. ونشاهد على الفضائيات ابتسامة الفتيات اليافعات خلف القضبان غير عابئات بالأحكام الجائرة والتهم الباطلة والتى تجاوزت 11 عاما، أى تربية؟ وأى عقيدة التى تصنع من زهور فى مقتبل العمر عزة وكرامة وصمود وإباء؟ وكأنهن نسيبة بنت كعب رضى الله عنها فى غزوة أحد، فقد كان ضُمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِوَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِى الْمَاءَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَمَقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ"، وَكَانَ يَرَاهَا يَوْمَئِذٍ تُقَاتِلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتَّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَهَا، فَعَدَدْتُ جِرَاحَهَا جُرْحًا جُرْحًا فَوَجَدْتُهَا ثَلاثَةَ عَشْرَ جُرْحًا، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّى لأَنْظُرُ إِلَى قَمِئَةَ وَهُوَ يَضْرِبُهَا عَلَى عَاتِقِهَا، وَكَانَ أَعْظَمُ جِرَاحَهَا، ثُمَّ نَادَى مُنَادِى النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الأَسَدِ، فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابِهَا فَمَا اسْتَطَاعَتْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، وَلَقَدْ مَكَثْنَا لَيْلَتَنَا نُكَمِّدُ الْجِرَاحَ حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَمْرَاءِ مَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْمَازِنِى يَسْأَلُ عَنْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِسَلامَتِهَا، فَسُرَّ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. الآن أرى رأى العين فى فتيات ونساء مصر الأطهار نسيبة رضى الله عنها، يدافعن عن هوية مصر الإسلامية التى يحاول الانقلاب وأذنابه طمسها ومحوها، والزج بها إلى مستنقع العلمانية التى يرفعن رايتها صاحبات الرايات الحمر من الفنانات والراقصات. القضية اليوم قضية هوية إسلامية وعقيدة وليست مجرد شرعية واستحقاقات انتخابية، فالحرب على الإسلام فى مصر لا تحتاج لبرهان ولا دليل وبات الدفاع عن مصر الإسلامية فرض عين على كل مصرى مخلص محب لهذا الوطن، ولكن للأسف تخاذل من تخاذل من رجال أشداء امتلأت قلوبهم خوفا ورعبا، وتواطأ من تواطأ من علماء السلطان وفقهاء الطغيان، وفر من المعركة من فر، مثلما فر من فر فى أحد وانسحب من انسحب، لذا لا نملك أن نقول إلا ما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لَمَقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ".