تبدو واضحة فضيلة الدعوة للحوار من كونه إقرارا بعدم الوجود المنفرد وتقرير وجود الغير فى الواقع سواء كان الغير ظالما معتديا باغيا قاتلا انقلابيا، أو صامتاً ساكتاً لا مبالياً ممتنعاً عن نصرة الحق ورد الظلم بعلمٍ أو جهل، أو مدعياً للحياد مؤثراً للسلامة الخاصة والعامة ممتنعا عن الموقف والخطاب. فهى دعوة للحوار لا دعوة للتفاوض أو التهدئة! الحوار يكون مع الاختلاف أو التنازع.. وهى فى مبادرة التحالف تقر بوجود اختلاف مع قطاع من المصريين -لأسباب متفاوتة- وهى هنا تضفى على التحالف سمة المسئولية عن الجميع وعن الوطن وعن المستقبل إذ إن الطرف الانقلابى لا يوجه خطابه إلا لشعبه ورعاياه وداعميه.. وتقر بوجود التنازع مع الانقلابيين ومع مؤيديهم وهو تنازع جذرى تماما لكونه يتعلق بالدماء والخيانة والكذب وإخلاف العهود والانقلاب على القواعد والأسس المتعارف عليها (الشرعية والديمقراطية والصندوق ومبادئ التعددية والتعايش) ولا يتعلق بصراع مجرد على السلطة وهذا يقطع السبيل تماماً على أى حوار بين الطرفين. فى هذا السياق، فإنه دعوة تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب تصير موجهة للفئة الأولى (أى قطاع المصريين غير المشارك فى الانقلاب بالدعم والتفويض وغير الراضى عن القتل والخيانة والجريمة، وفى الوقت ذاته قد يكون له موقف سياسى مغاير لموقف التحالف لبناء قواعد وأسس يمكن على أساسها استعادة العقلانية والمنطق فى المجال السياسى وبناء سياج أخلاقى وقيمى يحمى الوطن والمجتمع من المجرمين.. وذلك عبر القيم الحاكمة التى أقرتها الوثيقة: 1) احترام إرادة الشعب من خلال صناديق الانتخابات كأداة وحيدة للممارسة الديمقراطية. 2) الحفاظ على حقوق الشهداء والمصابين وعدم التفريط فيها. 3) احترام سيادة الدستور والقانون مع الإقرار بضرورة تحقيق توافق أكبر حول الدستور بتعديل بعض المواد المختلف عليها من خلال آلية دستورية. 4) احترام حق التظاهر السلمى وإدانة البلطجة وتخريب المنشآت ورفض القوانين المقيدة للحريات كافة. 5) احترام المعارضة ومخالفة الرأى وفى المقابل إدانة وتجريم التآمر الذى يستهدف الشرعية. 6) احترام التعددية السياسية والإقرار بأن مصر وطن لجميع أبنائها. 7) الإيمان بأن أبناء مصر من المسلمين والمسيحيين شركاء فى بناء حضارتها، وأن أى تقدم لا يمكن أن يكون إلا بمشاركة الجميع وفى المقدمة منهم الشباب والمرأة. 8) الإيمان بأن جيش مصر هو نواتها الصلبة ودرعها الذى يحمى حدودها فى مواجهة التحديات الخارجية ويشارك فى تنميتها ونهضتها كمؤسسة وطنية ليست فوق الدولة، ويعمل جميع المصريين على دعمه وتماسكه. بهذا المعنى تكون الدعوة للحوار هى دعوة لا حوار.. إذ إن هذه القيم هى أصل العداء والتناقض مع قيم الانقلاب (الخيانة الإقصاء التدمير الفساد استحلال الحرمات والدماء والأعراض..) بما لا يسمح بقيام حوار لعدم وجود أرضية القيم وخلفية المنطق وأصل الإنسانية بين الطرفين.. لذا فإن الأصدقاء الذين تسرعوا ولم يدركوا الفارق بين الدعوة والحوار واعتبروا البيان تمهيدا لتسوية سياسية ارتكبوا خطأ مركبا يتعلق بالتفرقة بين الدعوة والحوار وبصراع القيم الذى أذكاه البيان بما يمهد لجولة جديدة من الصراع أعمق وأحسن وعيا وإدراكا لمشروعها وأهدافها.