رغم أن مصر ترزح تحت النفوذ الأمريكي منذ اتفاقية السلام مع الصهاينة 1979عام برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، إلا أن النفوذ الروسي في مصر بدأ يزاحم النفوذ الأمريكي سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ويسعي في هدوء نحو سحب البساط من الهيمنة الأمريكية على مصر، وذلك بالاتفاق على إنشاء منطقة صناعية ومحطة نووية، فضلا عن تعزيز التبادل التجاري والنشاط الاقتصادي بين البلدين؛ ليصل إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى اتفاقية عسكرية في ديسمبر 2017 تسمح للطيران الروسي باستخدام الأجواء المصرية، وهو إجراء غير مسبوق؛ سوى بالامتيازات التي وقع عليها السيسي في يناير 2018؛ فيما يعرف باتفاقية "(CIS MOA)، مع الإدارة الأمريكية، والتي رفض المخلوع حسني مبارك والمجلس العسكري التوقيع عليها منذ عقود لخطورتها على الأمن القومي للبلاد؛ لأنها تفضي إلى جعل القوات المسلحة المصرية جزءا من منظومة الجيش الأمريكي وتجعل من مصر مركزا لقيادة العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة وقت الحروب. الخيانة العسكرية التي قدمها السيسي للروس، تجلت في 28 نوفمبر 2017م، حيث نشرت الحكومة الروسية الخميس 29 نوفمبر الماضي مسودة اتفاق بين روسيا ومصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية. وجاء في نص الإيعاز الذي نشر على موقع المعلومات القانونية الروسية: "الموافقة على مشروع الاتفاق بين حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية مصر العربية بشأن نظام استخدام البنية التحتية والمجال الجوي والمطارات في الاتحاد الروسي وجمهورية مصر العربية، الذي قدمته وزارة الدفاع الروسية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية في روسيا والهيئات التنفيذية المعنية الأخرى ومكتب التحقيقات التابع لروسيا الاتحادية، والذي تم إعداده مع السيسي. و«ستتمكن الطائرات الحربية الروسية والمصرية من استخدام مجال كل منهما الجوي والمطارات، على أن تقدم إشعارًا مسبقًا قبل خمسة أيام، بحسب ما تقوله مسودة الاتفاق، الذي يتوقع استمراره لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد. ولما كانت مصر لا تملك الطائرات القادرة على التحليق فوق سماء روسيا لاستخدام مجالها الجوي ومطاراتها وقواعدها العسكرية، فإن المستفيد من الاتفاقية هو الجانب الروسي الذي يستهدف من الاتفاقية تعزيز نفوذه في مصر على غرار سوريا. أسلحة روسية الخيانة الثانية، انتهاز موسكو لتوتر ظاهري شَابَ العلاقات بين نظام العسكر بعد انقلاب 30 يونيو وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقامت بإرسال كل من وزيري الخارجية والدفاع إلى القاهرة على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، يضم كلا من رئيس هيئة التعاون العسكري الروسية ورئيس شركة تصدير الأسلحة الروسية روسي أبورون إكسبورت؛ لمناقشة صفقات التسليح الروسية للجيش المصري الذى يعتمد في جزء كبير من تسليحه على الأسلحة الأمريكية، وأعقب هذا اللقاء زيارة لوزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية المصري نبيل فهمى، إلى موسكو لاستكمال الحوار مع نظرائهم الروس، فيما عرف باجتماعات "2+2"، وتم الإعلان عن التوصل لصفقة أسلحة روسية لمصر قيمتها تزيد على 3 مليارات دولار بتمويل خليجي (السعودية، الإمارات). كما تم عقد 7 صفقات عسكرية روسية لمد الجيش المصري بالسلاح، ومنها سفينة الصواريخ "آر- 32" مولينيا التي تسلمتها مصر في 2016؛ تعبيرًا على العلاقات القوية بين البلدين، وهي ضمن مشروع البرق الروسي. كما وقع النظام مع روسيا بدايات 2017 اتفاقية بهدف شراء 50 مقاتلة من "ميغ – 35″، ومروحيات "كا – 52" أليغاتور، حيث تم توقيع العقد في 2015 لتوريد 50 مروحية، إضافة إلى منظومات الدفاع الجوي "بوك وتور" ومنظومة الدفاع "أنتاي – 2500" ودبابة تي – 90. مناورة حماة الصداقة أما الإجراء الثالث فهو تعزيز العلاقات العسكرية عبر إجراء تدريبات مشتركة "مناورة حماة الصداقة" 1 و2 و3 في أعوام 2016 و2017و2018م على التوالي، وذلك بعد أن توقفت مناورات النجم الساطع مع الولاياتالمتحدة منذ 2009م والتي لم تعد إلا مؤخرا في عام 2017، وفي نطاق ضيق يتعلق بالتدريبات على مواجهة ما يسمى بالإرهاب، حيث شارك مئات الجنود الأمريكان بينما كانت هذه المناورات في عهد مبارك تحظى بمشاركة عشرات الآلاف من القوات الأمريكية. رابعا، في أكتوبر 2016 قال موقع "برافادا" الروسي، إن روسيا استأجرت قاعدة عسكرية بمدينة "سيدى براني" بمطروح، شمال غرب البلاد في اتفاق يتم تنفيذه بداية 2019، مقابل تحديث روسيا للمنشآت العسكرية المصرية على البحر المتوسط. وفي 14 مارس 2017، كشفت وكالة "رويترز" عن مصادر دبلوماسية أمريكية ومصرية عن نشر روسيا لقوات خاصة لها في قاعدة جوية في منطقة سيدي براني على بعد 100 كيلومتر من حدود مصر مع ليبيا، ورغم النفي المصري الروسي إلا أنه وبعد سبعة أشهر من نفي ما ورد في "رويترز"، أشارت صحيفة "إزفيستيا" الروسية إلى وجود مباحثات رسمية بين القاهرةوموسكو بشأن استئجار الأخيرة منشآت عسكرية مصرية، في مقدمتها قاعدة جوية في مدينة سيدي براني، نفس المدينة التي كانت بها القاعدة البحرية الروسية القديمة. المنطقة الصناعية إلى جانب النفوذ العسكري الروسي في مصر، والذي لا يزال يناور وينافح من أجل زحزحة الأمريكان رغم قدراته المحدودة، إلا أن الملف الاقتصادي يفتح الباب أمام الروس نحو مزيد من بسط النفوذ عبر عدة صفقات ومشروعات تتسم بالضخامة والامتداد الزمني؛ أملا في فرض علاقة ممتدة تفرض على أي نظام مصري ضرورة الإذعان للنفوذ الروسي وعدم التفكير في الإطاحة به كما فعل السادات في 1972، عندما طرد الخبراء الروس قبل حرب 73 بعام واحد. أولى هذه الصفقات، المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس؛ وقد وقّع كل من وزيري الصناعة والتجارة في مصر وروسيا، الأربعاء، 23 مايو الماضي، اتفاقية إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس شرق مدينة بورسعيد، على مساحة 5.25 ملايين متر مربع، بنظام حق الانتفاع لمدة 50 عاما قابلة للتمديد؛ وذلك بهدف جذب استثمارات قيمتها 7 مليارات دولار. ووفقا لتوقعات وزارة الصناعة والتجارة الروسية، ستتمكن الشركات الروسية في المنطقة الصناعية من إنتاج ما تقدر قيمته بحوالي 3,6 مليار دولار سنويا، بحلول سنة 2026. وبموجب هذا الاتفاق ستحصل الشركات الروسية على العديد من الامتيازات من الدولة المصرية، على غرار التعريفات التفضيلية لموارد الطاقة والنظام الضريبي التفضيلي الخاص، بالإضافة إلى الموقع المعد مسبقا. ومن المخطط أن تجهز روسيا، في المنطقة الصناعية، كل المعدات والوسائل اللازمة. كما ستوفر أفضل الظروف لتوطين الإنتاج والتمكن من بيع السلع داخل مصر وخارجها. ومن بين الشركات التي من المحتمل أن تتمركز في المنطقة الصناعية الروسية في مصر، مجموعة «غاز غروب»، «وكاماز»، «وأواز»، «وغازبروم نفط»، «وتانت نفط»، «وإنترو راو». ووفقا لتوقعات وزارة الصناعة والتجارة الروسية، ستتمكن الشركات الروسية في المنطقة الصناعية من إنتاج ما تقدر قيمته بحوالي 3,6 مليار دولار سنوياً، بحلول سنة 2026. وبموجب هذا الاتفاق ستحصل الشركات الروسية على العديد من الامتيازات من الدولة المصرية، على غرار التعريفات التفضيلية لموارد الطاقة والنظام الضريبي التفضيلي الخاص، بالإضافة إلى الموقع المعد مسبقا. يشار إلى أن حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين مصر وروسيا وصل مؤخرا إلى 5 مليارات دولار (بلغت نسبة الصادرات المصرية لروسيا منهم 446 مليون دولار، بينما وصلت نسبة الصادرات الروسية لمصر 4,2 مليار دولار)، وهو ما يؤكد تحقيق مصالح واسعة لروسيا على حساب مصر. إرجوت القمح كما بلغ حجم ما صدرته روسيا لمصر من سلعة القمح الاستراتيجية والتي تمثل جزءا كبيرا من غذاء الشعب المصري 5,5 مليون طن، من إجمالي 10 ملايين هي كل ما تستهلكه مصر وتنتج منه محليا قرابة ال4,5 مليون طن. وشهد ملف القمح الروسي فضيحة مدوية، إذ أن برلمان الرئيس مرسي قرر عدم السماح باستيراد أية أقماح مصابة بالإرجوت بأي نسبة، وهو ما سارت عليه وزارة الزراعة في عهد الانقلاب، وعلى إثره تم رفض شحنات روسية، وهو ما ردت عليه روسيا برفض كميات وشحنات مصرية مصدرة من الفواكه والخضروات، كما ضغطت على السيسي بملف الأسلحة، فأذعن لها وسمح بتمرير الشحنات الروسية من القمح المصاب بالإرجوت، ما يهدد بتدمير صحة المصريين بالسرطانات والفشل الكلوي والكبدي وتدمير التربة المصرية والزراعة. الضبعة وخلال نوفمبر 2015، وقّعت القاهرة اتفاقا حكوميا بشأن تشييد محطة للطاقة النووية مكونة من أربع وحدات، قدرة إنتاج كل واحدة منها 1200 ميغاواط. وفي مايو، وافق الجانب المصري على الحصول على قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، لبناء محطة بسعة إجمالية قدرها 4800 ميغاواط في منطقة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح شمال غربي القاهرة، علما أن المدفوعات المصرية لروسيا ستستمر على مدار أكثر من 13 سنة، أي الفترة الممتدة بين سنة 2016 وسنة 2028، بمعدل 3% سنويا. من جهتها، تبحث مصر عن صيغة متقدمة من التعاون العسكري التقني مع روسيا على أساس اتفاقية التعاون العسكري لسنة 2014-2015، التي تتضمن عقودا لشراء أسلحة تبلغ قيمتها أكثر من 3.5 مليار دولار، وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات ومقاتلات ومروحيات هجومية وأسلحة ومعدات عسكرية أخرى. هذه الاتفاقية النووية- حال البدء في تنفيذها بحسب خبراء- ستكرس النفوذ الروسي في مصر لعقود طويلة؛ حيث سترتبط القاهرةبموسكو على مستويين: الأول يتعلق بالإدارة الفنية والصيانة المستمرة للمحطة، ما يجعل الوجود الروسي وجوبيا لأكثر من 60 سنة؛ خصوصا في ظل ضعف القدرات الفنية المصرية وعدم قدرة جهات أخرى على إدارة وصيانة محطات روسية. الثاني، على مستوى سداد أصل القرض وفوائده، والذي سيمتد أيضا لعقود، وهو ما يجعل مصر تحت ضغوط السداد من جهة، واسترضاء روسيا سياسيا واقتصاديا من جهة أخرى. ومع إنفاق النظام حوالي 550 مليار جنيه (كلها قروض)، على حل أزمة الكهرباء بالاتفاق مع شركة سيمنز الألمانية لإقامة محطات توليد ما جعل هناك وفرة تصل إلى 8 آلاف ميجا وات. هناك شكوك حول استكمال النظام مشروع إقامة المحطة النووية رغم ما نشر عنها كثيرا في وسائل الإعلام وتم توظيف هذا المشروع تحديدا كدعاية سياسية للجنرال باعتباره سيدخل البلاد في عهد الحلم النووي. ورقة السياحة وبسبب إدراك الروس لنفسية النظام في مصر؛ دفعهم أيضا لابتزازه بشأن عودة الطيران الروسي والسياحة الروسية منذ تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 أكتوبر 2015م، الأمر الذي دفع موسكو لوقف الرحلات السياحية، ما أفضى إلى تراجع حاد في معدلات السياحة، خصوصا وأن السياحة الروسية كانت تتصدر أعداد السياح الوافدين لمصر طوال سنوات ما قبل التفجير. حيث بلغ عدد السياح الروس لمصر في عام 2014 حوالي "3,1" مليون سائح، وتراجع العدد إلى "2,3" مليون في 2015، وتوقفت الحركة السياحية تماما في 2016 عقب تعليق كل من روسيا وبريطانيا رحلاتها إلى مصر. وأمام إلحاح النظام العسكري على موسكو بضرورة عودة السياحة مارست موسكو صورا متعددة من الابتزاز، وأرسلت عشرات الوفود الأمنية للتفتيش على مستويات الأمن في المطارات المصرية، وفرضت وصايتها بصورة مهينة كان آخرها الأربعاء 08 أغسطس 2018م، و"أجرى الوفد تفتيشه على إجراءات الأمن بالمطار، وتابع تأمين الركاب والبضائع والطائرات، وتفقد إجراءات تأمين الراكب وحقائبه منذ دخوله إلى صالة السفر وحتى صعوده إلى الطائرة". "كما قام الوفد بتفقد إجراءات تأمين الطرود في قرية البضائع وحاويات الطعام الخاصة بركاب الطائرات".