أول مرة فى حياتى أسمع مصطلح المخطوفين ذهنيا فى بيان وزارة الداخلية الذى تلاه المتحدث باسمها فى مؤتمر صحفى، ثم قامت طائرة مروحية بإلقائه على المعتصمين قبل عدة أيام، وقد وصف البيان المخطوف ذهنيا بأنه الذى أصبح أسير رؤية واحدة تتشكل عبر ما يصله من منصة الميدان دون أن يطلع على مصادر أخرى تتيح له خيارات متنوعة تساعده فى اتخاذ القرار، وقد فجّر هذا المصطلح موجات من السخرية فى مقار الاعتصامات وفى الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وبعيدا عن هذه السخرية فإن الواقع يؤكد أن مصدرى البيان ومعهم بقية قادة الانقلاب ومن يناصرونهم هم حقا المخطوفون ذهنيا، بل إنهم صنّاع الكذب الذين فاقوا وزير الدعاية النازى جوبلز صاحب نظرية الكذبة الكبرى "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس". لقد اتهمت الداخلية ومعها إعلام العسكر المعتصمين بأنهم مخطوفون ذهنيا لأنهم لا يسمعون إلا ما تبثه منصة الاعتصام سواء فى رابعة أو النهضة أو غيرهما، وهذا يفقدهم الرؤية الواضحة للأمور، والمقصود هنا تطويع المعتصمين حتى يقروا بالانقلاب باعتباره أمرا واقعا لا مجال لتغييره، وهو ما يرفضه المعتصمون بشدة. لقد صنع الانقلابيون كذبة كبرى صدقوها وسوقوها إعلاميا وهى الادعاء بنزول 33 مليون متظاهر غاضب ضد الرئيس مرسى يوم 30 يونيو ومثلها يوم 26 يوليو لتفويض السيسى، وصدق أنصار الانقلاب هذه الفرية التى أُعدت بمهارة سينمائية، لكن المعتصمين لم يلغوا عقولهم ولم يكذبوا أعينهم حتى يصدقوا تلك الفرية الكبرى، ومن هنا وصفتهم الداخلية بالمخطوفين ذهنيا!!. الكذبة الثانية الكبرى التى لم يقبلها المعتصمون فاستحقوا بها ذلك الوصف الأمنى أيضا هى رفضهم للانقلاب العسكرى، لقد سعى الانقلابيون الى ترسيخ قواعد حكمهم الانقلابى سريعا خلال 48 ساعة كما يحدث فى كل الانقلابات العسكرية فى العالم، لكنهم فوجئوا بجحافل المصريين تنهمر الى الشوارع بملايين حقيقية، لم يصدقها المخطوفون ذهنيا بحق من قادة ومدبرى الانقلاب وإعلامه، وراحوا يفرضون عليها حالة من التعتيم الكامل حتى لا يراها الشعب، بل راحوا يقدمون الكثير من تلك الحشود الهادرة باعتبارها معارضة للرئيس، وقد شاهدنا إحدى قنوات الانقلاب تشيد بمظاهرة مليونية فى شارع رمسيس باعتبارها لداعمى الانقلاب؛ بينما كانت صور مرسى تعلوها قبل أن ينتبه المذيع ويغير مجرى الحديث مع ضيفه. كذبة أخرى أراد الانقلابيون تمريرها وهى أن الاعتصامات فى رابعة والنهضة والميادين الأخرى تضم بضعة آلاف فقط يتنقلون هنا وهناك للإيهام بكثرة الحشد، وتبع هذه الكذبة العديد من الأكاذيب الجانبية مثل انتشار الجرب بين المعتصمين وانتشار ظاهرة جهاد النكاح وتوزيع الأموال على المعتصمين واحتجاز هوياتهم الشخصية لمنع خروجهم واستغلال النساء والأطفال كدروع بشرية.. إلخ، وآخرها الادعاء بتجنيد أطفال من دور الرعاية الاجتماعية وهو ما ثبت كذبه حيث تبين أن هؤلاء الأطفال أيتام وكانوا فى طريقهم للحصول على ملابس العيد من بعض الجهات الخيرية، ولم يكونوا فى طريهم إلى رابعة العدوية، ولذلك أفرجت النيابة فورا عن مرافقيهم من مسئولى تلك الجمعيات دون أى ضمان مالى، كما تسابقت ماكينة الكذب فى نشر قصص قتل وتعذيب فى رابعة بهدف تهيئة المناخ لفض الاعتصام بالقوة، ولكن يشاء الله أن بفضح كثيرا من كذبهم، فحين نشرت "اليوم السابع" تقريرا عن وفاة من وصفته بأحدث ضحايا التعذيب فى رابعة خرج شقيقه ليؤكد أنه من شهداء المنصة، وحين نشرت الأهرام يوم الجمعة الماضى تقريرا عن شخص ادعت تعرضه للتعذيب فى رابعة كانت جريدة الجمهورية فى اليوم ذاته تنشر قصة مغايرة تماما عن الشخص نفسه باعتباره بلطجيا تم القبض عليه فى جريمة سرقة، كل هذه الأكاذيب تنم عن ذهنية منقطعة الصلة تماما بواقع الاعتصامات، والغريب أنهم يريدون من المعتصمين أنفسهم أن يصدقوا هذا الهراء حتى يتجنبوا وصف المخطوفين ذهنيا!!!!. قبل ذلك أطلق إعلام الفتنة وبعض السياسيين الكارهين للرئيس مرسى وحزبه وجماعته وصف الخرفان على أنصار الرئيس وخاصة الإخوان، وهذا الوصف قادهم إلى قناعة أن هؤلاء الأنصار هم مجرد نعاج يمكن أن تهشها بعصا رقيقة، وقد ساعدهم على تصديق هذه الفرية صمت الإخوان على كثير من التجاوزات التى وقعت بحقهم كجماعة وكأفراد، والحقيقة أن الإخوان صمتوا عن ذلك استشعارا منهم للمسئولية حين كانوا يتولون السلطة -ولو جزئيا– ومحاولة منهم لتفويت الفرص على أى محاولات لجرهم للعنف، لكن المفاجأة التى أذهلت المخطوفين ذهنيا من قادة وأنصار الانقلاب أن من وصفوهم بالخرفان هم أسد هصورة فى الميادين لم تستطع مدرعات وكتائب الانقلابيين سواء العسكرية أو المدنية أو البلطجية فك اعتصامهم الذى دخل يومه الأربعين دون كلل أو ملل، رغم فقدانهم لحوالى ثلاثمائة شهيد ناهيك عن آلاف المصابين. ربما كان صحيحا أن بقاء المعتصمين فى الميادين لفترة طويلة أبعدهم عن التلوث السمعى والبصرى الذى تبثه قنوات الانقلاب، لكن هذا لا يعنى انفصالهم عن العالم فمعظم المعتصمين يحملون أجهزة حاسب وهواتف متطورة ويتابعون الاخبار عبر مواقع الانترنت، كما أن معظم الخيام تحتوى على أجهزة تليفزيون يتابع من خلالها المعتصمون ما يحدث خارج الاعتصام، لكنهم بالتأكيد لن يلغوا عقولهم ولن يغمضوا أعينهم ليعرفوا أخبار اعتصامهم –المقيمين به– من فضائيات الانقلاب. المشكلة فيمن يسلم عقله لإعلام البيادة يلعب به كما يشاء، يقدم له الموزة باعتبارها تفاحة ويقنعه بذلك، المشكلة فى الذين يتبوءون مواقع تنفيذية تتيح لهم معرفة الحقائق لكنهم يقعون أيضا أسرى الكذب والتضليل الإعلامى الممنهج، فحين يبادر مذيع أو صحفى بالادعاء أن من نزلوا يوم 26 يوليو هم 29 أو 30 مليونا تصدر على الفورر التصريحات والبيانات العسكرية متضمنة هذا الرقم!!! إلى هذا الحد وصل السفه!! وإلى هذا الحد وصل الاختطاف الذهنى الحقيقى!!! من أسوأ الظواهر التى أنتجها هذا الانقلاب ماكينة الكذب الإعلامية التى لم تعد تسمح لرأى مخالف أن يظهر فيها ليفند كذبة هنا أو هناك، والتى تسهر على صناعة الكذب وتسويقه دون رادع من دين أو قانون أو مواثيق مهنية، أفيقوا يا قوم رحمة بمصر وشعبها.