لأن الله سيحاسبنا.. ولأن التاريخ سيحاكمنا يوما ما.. علينا أن يحاسب الجميع نفسه ويعترف بأخطائه. وفى هذا الإطار سأوجه رسالتى إلى الرئيس وشركاء الثورة "إسلاميين وصلوا إلى السلطة، ومعارضين يسعون إلى الوصول إليها، وكلا الطرفين يدعى أنه يسعى إلى تحقيق أهداف الثورة". لأن كل طرف صمت عن جرائم ارتكبت فى حق الطرف الآخر.. وما أقصده هنا هو أنه ربما يكون هذا أو ذاك قد استنكر الجريمة التى ارتكبت فى حق الطرف الآخر، ولكن ليست لديه الإرادة فى الدفاع عن الدماء التى سالت والشهداء الذين سقطوا. فالإسلاميون يحمّلون المعارضة -التى تقودها "جبهة الإنقاذ"- الدماء التى تسيل وتقع، لا سيما فى ظل حالة التحريض، بل المشاركة فى عمليات القتل والصمت عن وجود بلطجية وقتلة فى وسط مظاهراتهم، بل وجدنا التحاما كبيرا بين المتظاهرين وبين المجرمين فى أحداث المقطم؛ لدرجة أن عمليات السحل والحرق تمت أمام أعينهم، بل وبمشاركة منهم. وفى الجانب الآخر، تحمّل المعارضة الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة كل المسئولية؛ لأنهم هم الذين يحكمون الآن، وعليهم أن يأتوا بالجناة والقتلة، فمعهم جميع الأجهزة الأمنية التى تستطيع أن تقتص للشهداء وتقبض على المجرمين. كل له منطقه وكل له حجته.. لكن النتيجة النهائية هو أن القتلة مطلقو السراح، وكل يوم تقع خسائر من الجانبين، ويزداد طابور الشهداء والمصابين، ولا نعرف من هو القاتل، أو نعرفه ولا نستطيع محاسبته. لأننا صمتنا عن دماء شهدائنا ومصابينا فى الثورة وماسبيرو ومجلس الوزراء وبورسعيد "رايح جاى"، ومحمد محمود 1و2، وأمام مقار الإخوان والاتحادية والمقطم ستتواصل الجرائم الإرهابية، وستسيل الدماء ولن نجد من يقتص لها. ودماء الشهداء والمصابين لا تفرق بين إخوان أو يساريين أو ليبراليين أو مواطنين بلا توجه أيديولوجى.. ففى النهاية الضحية مصرى. كلنا رأينا مهرجان البراءة للجميع لقتلة الثوار.. ورأينا كيف برأ القضاء كل رموز النظام السابق؛ مثل فتحى سرور وصفوت الشريف وسامح فهمى وغيرهم، ولم يبق إلا تبرئة مبارك ونجليه علاء وجمال، ولا مانع من إطلاق سراح حبيب العدلى وتكريمهم. لأن "شركاء الثورة " انشغلوا بالسلطة عن الثورة، وصمت كل طرف عن مواجهة عدو الثورة.. أصبحنا أضعف، وفى المقابل بقايا دولة المخلوع أصبحت أقوى، وللأسف ارتمى المعارضون فى أحضان ميليشيات الفلول وجيوش البلطجية، وارتمت السلطة فى أحضان الدولة العميقة من شرطة متخاذلة وقضاء يحتاج إلى تطهير وإعلام مسعور ينهش فى جسد الثورة. الصمت لن يستطيع أن يكسره طرف دون الآخر.. علينا أن نفكر جيدا فى كيفية الخروج من الاتهامات المتبادلة والصمت المتبادل والتخاذل عن القصاص للشهداء قبل أن تلتهم دولة الفساد العميقة ما تبقى من الثورة.