لُقّب بفارس المنابر ومحامى الحركة الإسلامية، وهو أحد أشهر خطباء القرن العشرين فى العالم العربى والإسلامى، وله أكثر من 2000 خطبة مسجلة، استمر فى الخطابة أربعين سنة دون أن يخطئ مرة واحدة فى اللغة العربية. إنه الشيخ عبد الحميد كشك (1933م - 1996م)، وُلد فى قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة، يوم الجمعة 10 مارس 1933م، وحفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الدينى بالإسكندرية، وفى السنة الثانية بالمعهد الثانوى حصل على تقدير 100%، وكان ترتيبه الأول بالشهادة الثانوية الأزهرية على مستوى الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة. ولد مبصرا، وفى الثالثة عشرة من عمره فقد إحدى عينيه، وفى السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان فى أثناء دراسته الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية فى محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف. عُين الشيخ كشك معيدا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1957م، لكنه بعد محاضرة واحدة للطلاب رغب عن مهنة التدريس فى الجامعة، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التى كان يرتقيها منذ الثانية عشرة من عمره. وبعد تخرجه حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهر الشريف فى عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إماما وخطيبا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، ثم انتقل إلى مسجد منوفى بالشرابية، وفى عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، ذلك المسجد الذى ظل يخطب فيه قرابة عشرين عاما. اعتقل عام 1965م وظل بالمعتقل عامين ونصف العام، تنقل خلالها بين معتقلات طره وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربى، وتعرض للتعذيب رغم أنه كان كفيفا منذ صغره، ورغم ذلك احتفظ بوظيفته إمامًا لمسجد عين الحياة. فى عام 1972 بدأ يكثف خطبه وكان يحضر الصلاة معه حشود هائلة من المصلين، ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة، خاصة بعد معاهدة "كامب ديفيد" حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام، وأخذ يستعرض صور الفساد فى مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة. ألقى القبض عليه عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس الأسبق أنور السادات. ورفض الشيخ الكفيف مغادرة مصر إلى أى من البلاد العربية أو الإسلامية رغم الإغراءات، ولم يخرج من البلاد إلا لحج بيت الله الحرام عام 1973م. توفى فى 26 رجب 1417ه 6 ديسمبر 1996م، ونعاه مصطفى مشهور المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين فى عزائه قائلا: "إن الشيخ كشك كان واحدا من فرسان المنابر القلائل والمعدودين، وكان من الدعاة المخلصين العاملين، وإننا جميعا نتعزى فيه، ونسأل الله أن يستفيد الناس من علمه الذى ملأ الدنيا وأنار بصائر الناس".