أحد كبار الدعاة الذين آثروا الآخرة على الحياة الدنيا، فتفرغ للدعوة إلى الله ودينه الحنيف منزها عن أى غرض دنيوى، فعاش عمره بسيطًا زاهدًا فى كل ملذات الدنيا، ومات فقيرًا لا يملك من متاعها شيئًا، حتى كتبه ومصنفاته لم يكن يتقاضى عنها أى مقابل، بل يهبها فى سبيل الدعوة لدين الله. كان شجاعًا لا يخاف فى الحق لومة لائم، وتعرض لنقد الطغاة من الحكام والمسئولين، ولم يتورط فى مديح أو ثناء لأى حاكم، وتعرض فى سبيل ذلك للسجن والتنكيل رغم كونه كفيف البصر، لكنه واصل طريقه، وتربى على يديه جيل من الدعاة والعلماء. ولد الشيخ عبد الحميد عبد العزيز محمد كشك فى قرية شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م ، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الدينى فى الإسكندرية، وكان ترتيبه الأول على مستوى الجمهورية فى الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم التحق بعدها بكلية أصول الدين فى جامعة الأزهر، وكان الأول على طلبة الكلية طول سنوات الدراسة. عمل إمامًا وخطيبًا فى العديد من المساجد والجوامع حتى استقر به المقام فى الجامع المُسمى (عين الحياة) بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة لمدة 20 عامًا تقريبًا هى عمر الشيخ على منبره الذى عرفته جموع المصلين من خلاله، فالتفت حوله وتجاوبت معه، حتى ذاع صيته وانتشرت أشرطة خطبه ودروسه فى كل مكان. كان الشيخ عبد الحميد كشك من أكثر الدعاة والخطباء شعبية فى الربع الأخير من القرن العشرين، وقد وصلت شعبيته إلى درجة أن المسجد الذى كان يخطب فيه خطب الجمعة حمل اسمه، وكذلك الشارع الذى كان يقطن فيه بحى حدائق القبة، ودخلت الشرائط المسجل عليها خطبة العديد من بيوت المسلمين فى مصر والعالم العربى والإسلامى. لم يكن الشيخ فى مسجده يقوم بعمله على أنه موظف، وإنما كان يعتبر عمله رسالة قبل أن يكون وظيفة، ودعوة قبل أن يكون مورد رزق يتكسب منه، ومن ثم فقد استطاع الشيخ أن يجعل من مسجده دارًا للعبادة، ومدرسة للتعليم، ومعهدًا للتربية، ومأوى للمحتاجين والمساكين. تعرض الشيخ للسجن أكثر من مرة لأجل جرأته وصدعه بالحق، وطلب منه أن يفتى بما يوافق الساسة، ولكنه أبى، فاعتقل لأول مرة عام 1965م، وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربى. كما اعتقل عام 1981م، وكان هجوم السادات عليه فى خطاب 5 سبتمبر 1981م هجومًا مرًا، ولكنه كان كما قال مرافقوه داخل السجون مثالًا للصبر والثبات والاحتساب واليقين. ومنذ خروجه من السجن فى آخر مرة سنة 1982م لم يصرح له بالعودة إلى مسجده ومنبره، وظل كذلك إلى أن توفاه الله. ترك الشيخ كشك أكثر من 100كتاب أثرى بها المكتبة الإسلامية، توج هذه الكتب بمؤلفه الضخم فى عشرة مجلدات "فى رحاب التفسير" الذى قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملًا.