منذ اللحظة الأولى للثورة المصرية، لم تتوقف الآلة الإعلامية التى أدمنت التشويه والتزييف للحقائق لصالح نظام مبارك المستبد، الذى أسقطه الشعب بثورته المجيدة، وازداد هذا التشويه مع صعود الإسلاميين فى مصر؛ حيث اتجهت دفة كثير من وسائل الإعلام التى رفضت التخلص من آثام الماضى والانحياز إلى الوطن بمفهومه الواسع، فاستلت تلك الوسائل مجموعة من الأكاذيب حول الملف الفلسطينى، وعزفت بتلك المقطوعة من الأوهام على آلام الشعب المصرى. فوسائل الإعلام تختلق العديد من الأكاذيب، فتارة ترجع أزمة نقص الوقود إلى تهريبه إلى قطاع غزة، أو عبر المنافذ الحدودية، رغم نفى المسئولين تقديم مصر أى دعم للفلسطينيين بالوقود، وأن ما يتم إدخاله إلى غزة ما هو إلا وقود مقدم من داعمين دوليين سواء عربا أو أوروبيين (قطر- تركيا- وغيرهما)، وأن مصر تضطلع بعملية النقل فقط، وأن الخزانة المصرية تستفيد بالرسوم والضرائب المقررة. وتارة أخرى بأخبار مفبركة عن ضلوع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فى العمليات الإرهابية، التى تمت فى سيناء مؤخرا، التى نفتها معظم حركات المقاومة الفلسطينية، مؤكدة أن سلاحها موجه إلى العدو الإسرائيلى، بل تجاهلت وسائل الإعلام المصرية الأنباء والروايات التى تشير إلى تورط شخصيات من حركة فتح وبعض المرتبطين بأجهزة المخابرات الإسرائيلية مثل محمد دحلان. واستمر مسلسل الأكاذيب الذى تجاوز هذه المرة حدود العقل بفبركة بيان عن كتائب الشهيد "عز الدين القسام"، الجناح العسكرى لحركة "حماس"، يوم الأربعاء الماضى، احتوى على تهديدات للجيش المصرى بعد قرار هدم الأنفاق مع قطاع غزة. إلا أن كتائب القسام نفت فى بيان رسمى تلك الأكاذيب، وقالت: إن البيان الذى نشر باسمها مؤخرا ويتضمن تهديدا للجيش المصرى مفبرك، مشددة على أنها لا تتدخل فى شئون الدول العربية، مؤكدة احترامها سيادة الدول، خاصة مصر، وأنها لا تسعى لأى عمل عسكرى خارج فلسطين بأى شكل من الأشكال. وقالت "القسام": إنها "تنظر باستهجان ودهشة إلى إقدام بعض وسائل الإعلام المصرية على نشر بيان مفبرك وكاذب، منسوبا إلى كتائب "القسام"، يتضمن تهديدا للجيش المصرى، وتحذيرا من عمليات عسكرية ضده". وشددت على أن "من صاغ هذا البيان المفبرك لا يريد الخير لمصر ولا للشعب الفلسطينى، وهى محاولة رخيصة ومكشوفة لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية صاحبة السلاح الطاهر، الذى يعرف طريقه الصحيح نحو الاحتلال، وهو العدو المشترك لفلسطين ولكل الأمة العربية والإسلامية". ولما لم تحقق تلك الوسائل الرخيصة أهدافها، انتقل الحراك الإعلامى المضاد إلى الثورات العربية، إلى ملف تجنيس الفلسطينيين، وحملة تشكيك بإثارة اتهامات للخارجية المصرية بمنح الجنسية المصرية لفلسطينيين لا يستحقون الجنسية المصرية، الأمر الذى نفاه عادل عبد الرحمن، المشرف العام للجاليات المصرية بغزة، الذى ادعت بعض وسائل الإعلام المصرية أنه مصدر معلوماتها. وقال: إنه لا صحة لما أوردته وسائل إعلام مصرية بخصوص حصول فلسطينيين على الجنسية المصرية بالتزوير، مؤكدا أنه لم يصرح بذلك، وفوجئ بمن ينسبها على لسانه، على حد قوله. وأشار عبد الرحمن، فى بيان إعلامى له، إلى أن من حصلوا على الجنسية المصرية هم من أمهات مصريات، حسب القانون المصرى، مع العلم أنهم محرومون من المشاركة فى الحياة السياسية إلا بعد 5 سنوات من اكتسابهم الجنسية. وأضاف أن الحاصلين عن الجنسية المصرية فى قطاع غزه هم العدد الأقل، حسب عمليات الرصد التى يقوم بها المركز فى قطاع غزة، لافتا إلى وجود جنسيات أخرى من أمهات مصرية مثل أمريكا وهولندا وبلجيكا تنطبق عليهم نفس الشروط، ويكتسبون الجنسية، داعيا وسائل الإعلام إلى تحييد هذا الملف الإنسانى. تداعيات الحملة وأهدافها ولمعرفة أبعاد تلك الحملة وأهدافها الحقيقية لا بد من البحث عمن وراءها والمستفيد منها.. ويمكن حصرهم فيما يلى: فلول مبارك؛ الذين لا يتوقفون عن زعزعة أمن واستقرار مصر خلال الفترة الماضية، بإنفاق مليارات الجنيهات على إعلام فاسد؛ حيث تكشف الأرقام الواردة فى تقرير جمعية حماية المشاهدين والقراء، الصادر مؤخرا، إلى أن جملة ما يتم إنفاقه على الإعلام المصرى سنويا هو 6 مليارات جنيه، بينما تبلغ العوائد المحققة نحو 1.5 مليار جنيه، ويبقى 4.5 مليارات جنيه فرق التكلفة، لا يعرف على وجه الدقة من أين تمول، وهو ما يثير علامات استفهام حول بعض أصحاب المصالح من فلول النظام السابق، وبعض الأجندات الإقليمية والدولية التى لا تريد لمصر استقرارا فى ظل حكم الإسلاميين. إسرائيل؛ التى اكتوت بالسياسة الخارجية المستقلة والحاسمة للنظام المصرى برئاسة الدكتور محمد مرسى، وما أبدته مصر من مواقف إزاء الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة مؤخرا، ومن ثم فإن إرباك النظام المصرى وتوتير علاقاته مع الأطراف الإقليمية والدولية هدف إستراتيجى لإسرائيل لا يجهله أحد. ومن ثم فإن محاولات توريط الفلسطينيين عامة وحركات المقاومة الفلسطينية بالأخص، يبقى مسلسلا مستمرا لحرق خيوط العلاقات الوطيدة بين مصر وجيرانها للحيلولة دون أى دور إقليمى فاعل لمصر الثورة فى المستقبل.. بينما يبقى الرهان الأكبر على الحكومة المصرية لضبط الأداء الإعلامى والسياسى بما يحفظ أمن البلاد، ويبقى مصر ميزان المعادلة الإقليمية.