أوضحنا بمقال الأسبوع الماضى أهمية أن يخاطب الرئيس الشعب ويصارحه بحقيقة الأوضاع، ويستعين به لمواجهة الثورة المضادة والتعامل مع الدولة العميقة.. وبدأنا مشروع خطاب للرئيس، ونواصل الخطاب المقترح: بعد انكشاف المخربين، وبدء التمييز بين الثوار السلميين والمدسوسين الذين يخربون المنشآت ويقتلون الثوار.. بدأَتْ تتقلص أعمال التخريب لعدم وجود حاضنة شعبية للمخربين، وهذا يُبرز عظمة الشعب المصرى ووعيه وحكمته، فتحية إلى شعب مصر، وإلى الثوار الحقيقيين الذين انسحبوا من الميدان عندما اختلط الحابل بالنابل. ولا يقلل من شأن هذا الوعى الشعبى محاولة البعض خلق مشكلات بين الشرطة (غير المسلحة) والمتظاهرين، للإيحاء زورا وبهتانا بأن هناك تضييقا على حرية التظاهر. وأنا أؤكد أن حرية التظاهر (السلمى) مكفولة.. ولكن التخريب والإرهاب والقتل مرفوض، ولن يقابل إلا بالقوة وفى إطار الدستور والقانون. إن استخدام القنابل الحارقة وطلقات الخرطوش، والاعتداء على مقر الرئاسة -رمز الدولة- وقنص المتظاهرين السِّلميين للإيقاع بين الشرطة والثوار، وتعطيل وسائل المواصلات، وإغلاق الطرق والمرافق الحيوية.. كلها أعمال تخريب لا تمت بصلة إلى الثورة ولا إلى الثوار. هؤلاء ومن يمدونهم بالمال ومَن يلتمسون لهم الأعذار بوسائل الإعلام مخربون، يجب أن يلفظهم الشعب ويقاطعهم. وأوجّه نظر شبابنا إلى أن قصور الرئاسة كانت محصنة قبل الثورة يمنع المواطن من الاقتراب منها.. ولكن هذا العهد انتهى إلى غير رجعة. وأود أن أقول لمن يفرّغون أنفسهم للمعارضة (الدائمة) لكل القرارات والتصرفات، خيرها وشرها، حلوها ومرها؛ المعارضة من أجل المعارضة، سواء بالفعل أو بالقول، بالداخل أو الخارج.. أقول لهم: ماذا قدمتم لمصر وشعبها؟ ما الإضافة التى أضفتموها لرفع المعاناة عن الشعب، سواء قبل الثورة أو بعدها؟! إن العمل السياسى لا يصلح إلا فى الأوساط الشعبية، ولا يمكن أن ينجح أو يتم من الفضائيات والأبراج العاجية. فى محاولة لتكرار تجربة غزة أو الجزائر.. قاموا بإطلاق مصطلح (أخونة الدولة)! ويعلم أغلب الناس أن هذا غير صحيح، وأن نسبة المشاركين من حزب الحرية والعدالة بالجهاز التنفيذى أو الإدارى للدولة لا تصل إلى ربع النسبة التى حصل عليها الحزب بالانتخابات الحرة الوحيدة التى أجريت فى مصر. ويدرك من يطلقون هذه الشائعات جيدا أن الحزب الذى يحقق الأغلبية عادة ما يشكل الحكومة، وينشر كوادره المدربة فى آلاف المواقع بكل أركان الدولة، لتكون مسئولية تحقيق البرنامج الذى اختاره الناخبون محددة، وفى رقبة حزب معين يمكن محاسبته، كما يحدث بكل الدول الديمقراطية. ولكننا فضلنا -فى هذه الفترة الانتقالية- أن نوسّع دائرة المشاركة كما وعدناكم قبل انتخابات الرئاسة، انتظارا للانتخابات المقبلة التى تُسَلم بموجبها الحكومة كاملة إلى حزب الأغلبية، كما ينص الدستور. ولعل هذا التوضيح يرد على المطالبين بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة (توافق وطنى!) لشهرين فقط، ولم يقولوا لنا على أى أساس تشكل حكومة توافق من سياسيين لم يخترهم الشعب فى أى مناسبة سابقة، ولا توجد آلية لمعرفة الوزن الشعبى لكل حزب أو فصيل إلا الانتخابات؛ التى يريدون تأجيلها! وعموما فنحن لا يحكمنا إلا الالتزام بالدستور الذى وافق عليه الشعب. والمفروض أن تقوم حكومة الثورة بالتغيير الجذرى لكل شىء فاسد فى مصر، وهذا يتصادم مع مصالح الكثيرين ممن يستفيدون من الفساد.. لذا فقد جاء مصطلح (الأخونة) مناسب تماما لتسهيل مقاومة عمليات التغيير والإصلاح الثورى، والواجب على الشعب أن يعى هذه الحقيقة ولا يستجيب لإعلام الفلول وادعاءاته. إننا ندرك جيدا عدالة المطالب الفئوية.. فقد تصاعد الظلم والقهر لستين عاما متصلة لأغلب المصريين، وفتحت الثورة المباركة المجال للمطالبة بهذه الحقوق، ومعهم كل الحق. ولكننى أتوجه إلى الشعب الصابر الصامد: إن المظالم التى تراكمت على مدى ستين عاما لا يمكن علاجها فى أيام أو شهور، نحن فى حاجة إلى بعض الوقت لتشخيص هذه المشكلات، ووضع الحلول لها بجدول زمنى معلن وملزم، ويحتاج الأمر إلى الهدوء والتوجه إلى العمل بكل اطمئنان أنها مطالب مشروعة، نتعهد بتحقيقها.. وأطالب الشعب بوقف الاحتجاجات لحين الانتهاء من انتخاب مجلس النواب وتشكيل الحكومة التى ستتولى التنفيذ بخطة معلومة.. وتستطيع الأحزاب أن تتنافس فى برامجها على وضع البدائل والحلول لهذه المشكلات المتراكمة، ليختار الشعب من يثق فى قدراته. الشرطة جزء من الشعب، والثورة تجُبُّ ما قبلها.. وقد استجاب أبناؤكم وإخوانكم لمتطلبات الثورة، ويعملون فى ظروف صعبة دون أسلحة رغم إرهاب المخربين. والواجب على الشعب أن يشجع الشرطة الجديدة على التعامل الحضارى مع المواطنين دون استخدام السلاح؛ كمكسب ثورى يجب الحفاظ عليه. أقول لأهالى بور سعيد، المدينة الصامدة التى سبق أن برهنت على أن مصر هى كنانة الله، وأن أهلها هم خير أجناد الأرض: لا تسمعوا للمحرضين، ولا تستجيبوا للشحن الإعلامى، واعلموا أن مبدأ استقلال القضاء مكسب ثورى لمصر كلها، تجب المحافظة عليه والتضحية من أجله. إن مصر بحاجة ماسة وعاجلة لإصلاح وتحديث وصيانة المرافق الحيوية، وعلاج الخلل الإدارى، وإنقاذ ثروتنا البشرية بتطوير التعليم والتدريب، وضمان الرعاية الصحية، وإنقاذ الأراضى الزراعية وتنمية الإنتاج الزراعى والصناعى.. وهذا يتطلب الاستقرار والانتقال من الجهاد الأصغر (الثورة) إلى الجهاد الأكبر (التنمية). فيا شعب مصر العظيم هيا إلى العمل والإنتاج لنبنى وطننا ونستكمل ثورتنا.. وأتعهد بتلبية كل مطالبكم المشروعة، ولكن امنحونا بعض الوقت لتدبير الأموال اللازمة وإعادة ترتيب الأولويات، وإصدار التشريعات واللوائح اللازمة للانطلاق إلى الأمام. والله أسأل أن يحفظ مصر وشعبها وثورتها.