قطعتنا الأحداث التى شهدتها مصر فى الأسبوعين السابقين عن استكمال الحديث الذى بدأناه من قبل عن علامات الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وها نحن نستكمل الموضوع بعون الله. 2- من علامات الحب لرسول الله: أن ترضى بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو على نفسك، فهذا الزُّبَيْر بن العوام كَانَ يُحَدِّثُ فيما أخرجه الشيخان أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِى شِرَاجٍ مِنْ الْحَرَّةِ (مَسِيل الْمَاءِ الذى يجرى مِنَ اتجاه الحَرَّة إِلَى السَّهل فيروى منه الناس) كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلْزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِى فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ» (أى أشبع أرضك بالماء أولا، وهذا هو العدل، لأن الماء يمر على أرضه أولا) فَاسْتَوْعَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلْزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْى سَعَةٍ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِىِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ (يعنى أغضب) الْأَنْصَارِى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِى صَرِيحِ الْحُكْمِ. قَالَ الزُّبَيْرُ: وَالله مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِى ذَلِكَ ?فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا?. فعندما يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم، فلا ينبغى أبدا أن يشعر المسلم مجرد شعور بعدم الارتياح لهذا الحكم، ولو وجد فى نفسه حرجا فينبغى أن يُراجع إيمانه ودينه. إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بلغ من اتباعهم له أنهم كانوا إذا حدثوا بحديثه صلوات الله وسلامه عليه ساءهم للغاية أن يتردد أحد فى قبول توجيهه، أو ينشغل أحد عن حديثه أو يقول بخلافه. ففى صحيح مسلم أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا» قَالَ: فَقَالَ (ابنه) بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ»!، وفى رواية قال له: والله لا أكلمك بعدها أبدا. أكثر من هذا ما أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ كَانَ فِى مَجْلِسِ قَوْمِهِ، وَهُوَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْضُهُمْ مُقْبِلٌ عَلَى بَعْضٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: «انْظُرْ إِلَيْهِمْ! أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا رَأَتْ عَيْنَاى وَسَمِعَتْ أُذُنَاىَ، وَبَعْضُهُمْ مُقْبِلٌ عَلَى بَعْضٍ! أَمَا وَاللهِ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، ثُمَّ لَا أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَبَدًا». كان هذا موقفهم ممن يسمع كلام النبى صلى الله عليه وسلم، مجرد السماع وينشغل عنه! فما بالك بموقفهم ممن يرفض تنفيذ توجيهاته وتعاليمه وأحكام شريعته صلى الله عليه وسلم! إذن فمن أهم علامات حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقبل بقضائه فى كل المسائل، وألا نتأخر عن تنفيذ ما جاء عنه من أوامر أو نواهٍ، ولو على أنفسنا أو على حساب مصالحنا الشخصية. فماذا سنقول لرسول الله يوم القيامة إذا رأيناه يشفع للصادقين من المؤمنين به فى الوقت الذى يحال فيه بينه وبين الشفاعة للمبدِّلين من بعده، ففى حديث البخارى: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَىّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُوننِى، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ (أى تمنع الملائكة أناسا من ورود حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم للشرب منه) فأقول: إِنَّهُمْ مِنِّى، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا (أى بُعْدا بُعْدا) لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِى». فطالما أنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوا طريقته فسُحقا سُحقا لهم! ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?. 3-ومن علامات الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الغيرة على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما تُنتهك حرمات الله، وحينما تجد أن السنة لا يُعمَل بها، وحينما ترى أناسا يسبون الدين! وحينما ترى ما يحاك لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكائد، وحينما ترى الأعداء وهم يضربون فيها ذات الشمال وذات اليمين، ينتهكون الحرمات، ويغتصبون النساء. وقد سمعنا ورأينا وشاهدنا ما فعله ويفعله المجرم العلوى بشار الأسد بأبناء وبنات الشعب السورى الشقيق! تعذيب بكل ألوان التعذيب! إذلال وهوان! فأين غضبة المسلم لإخوانه فى الله؟! أليس هؤلاء شركاءك فى دين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا بد أن تغار وتغضب لدين الله حين ترى ما يحدث لإخوانك فى فلسطين وفى ميانمار! بعض الأفاكين -نسأل الله أن يعاقبهم بما يستحقونه- اجتمعوا وتوافقوا على إنشاء فضائيات ومواقع على شبكة الإنترنت يسبون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتقصون دينه وينتجون أفلاما مسيئة للإسلام ولرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولهذا وجب أن ننادى الشباب المتعلم الذين يحسنون التعامل مع شبكة الإنترنت ونقول لهم: كما يفعل هؤلاء ويسيئون للإسلام، فيجب عليك أن تنتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينك، وتفعل شيئا مفيدا بدلا من أن تُضيع وقتك فى شىء غير مفيد؛ لأنك سوف تُسأل عن ذلك. ماذا فعلت أيها الجالس على شبكة المعلومات لدين الله؟ هناك من يدفع أموالًا ليسب الله ورسوله، فماذا فعلت أنت؟! هل دفعت أموالًا لنصرة دين الله؟ هؤلاء الناس ينشئون مواقع ومعاهد وينفقون أموالا للصد عن دين الله!! فماذا فعلت أنت؟! ?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ? والسؤال هنا: ماذا فعل المؤمنون؟، هل أنفقوا أموالهم ليردوا الناس إلى دين الله؟ لا بد أن يكون هناك فعل وجهاد بالمال واليد واللسان؛ حتى نكون محبين لرسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.. 4-ومن علامات الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نستهين بأمره ونهيه، فمن الغريب أن ترى كثيرا من الناس إذا طلبت منه ووجهته إلى شىء من الدين والشريعة يسأل: هل هو سنة أم واجب؟! وكأن السنّة غير مهمة! أليست هذه السنة هى سنة الحبيب الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؟ أخرج أحمد بسند صحيح أن رجلا قال لابن عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الْوِتْرَ أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: مَا سُنَّةٌ؟! أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: لَا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: مَهْ، أَوَتَعْقِلُ؟ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ. فقوله: قال: ما سنة؟ أى: ما معنى كونه سنة أو غير سنة؟، وأى وجه لهذا السؤال؟، ثم أجابه بأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله، وهو غيرُ مخصوص به؛ حيث إن المسلمين فعلوه أيضا، وفى مثله ينبغى الاقتداء به، وينبغى للناس أن يسألوا عن هذا المعنى، ثم يعملوا به، ولا ينبغى لهم أن يسألوا عن كونه سنة، أى: غير واجب، ليتوسلوا بذلك إلى تركه. وقول الرجل: لا، أى: لا أسألك عن هذا المعنى، بل أسألك عن كونه سنة أم لا. فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون باتباع هديه وإحياء سنته وعدم الاستهانة بأمره صلى الله عليه وسلم. 5 - وأخيرا فمن علامات حب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كثرة الصلاة والتسليم عليه، فهل جعلت لنفسك وردا تصلى فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد قال بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذى: يَا رَسُولَ الله، إِنِّى أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِى؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِى كُلَّهَا؟ قَالَ: «إِذًا تُكْفى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». إذا صليت عليه واحدة؛ صلى عليك الله بها عشرا، وإذا صليت عليه عشرا؛ صلى عليك الله بها مائة، وإذا صليت عليه مائة؛ صلى عليك الله ألفا. فيجب أن تصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجعل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسانك باستمرار، ويكون لك ورد للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن علامة حب الذى يحب هى أن يذكر محبوبه، فهل تذكر حبيبك صلى الله عليه وسلم؟.