التناول الإعلامى لبعض الصحف والقنوات الفضائية التى يمتلكها رجال أعمال يكشف عن الحال المتردى الذى وصل اليه الإعلام المصرى، مما أدى إلى فقدان ثقة الناس بهذه الوسائل. ولعل قصة شريف البحيرى تعكس مدى الانحطاط الذى وصل إليه بعض الإعلاميين والصحفيين الذين يتاجرون فى سلعة "الكذب"، فأصبحوا يروجون لها بعد رفع ملاك الفضائيات والصحف تسعيرة "الكذب"، فكلما تضمن البرنامج أو الخبر أكبر كمّ من الكذب؛ زاد سعر المذيع والصحفى. ومن النماذج العبقرية فى عالم الفضائيات: وائل الإبراشى ومحمود سعد، اللذَين اكتشفا فجأة شاهد "ماشفش حاجة"، لكنه ببصيرته استطاع أن يصل إلى الذين عذبوا محمد الجندى، بل وحدد المكان والتوقيت والشخصيات التى قامت بالتعذيب، وكشف ما لم تستطع النيابة أو حتى أصدقاء الجندى كشفه، وأتى من "العمرانية" التى يسكن بها بالنبأ اليقين! "لقد مات الجندى من التعذيب، وأنا أعرف أسماء من شاركوا فى تعذيبه من الإخوان المسلمين"، هذا ما قاله البحيرى للعلامة محمود سعد، ثم أكده للخبير الأمنى وائل الإبراشى، ولأن هذين الإعلاميين الكبيرين لا يعرفان ميثاق الشرف الإعلامى -أو يعرفانه و"طنشاه"- لم يكلفا نفسيهما بفحص هذه الشهادة الخطيرة التى توجه اتهامات بالتعذيب والقتل لأناس بعينهم، واكتفيا بطرف لا يملك أى دليل أو مستند، وبدأوا حملة تشنيع غير عادية ضد الإخوان والشرطة.. وبعد ذلك ذهب البحيرى إلى النيابة ليحكى تفاصيل جريمة الإخوان. ولأن النيابة "مبتهزرش" مثل سعد والإبراشى.. أخذت بلاغه على محمل الجد، وبدأت التحقيق، واصطحبت الشاهد إلى الموقع الذى ادعى أن التعذيب حدث فيه، وكانت المفاجأة أن البحيرى -وهذا هو اسمه المستعار وليس الحقيقى- قال فى شهادته إنه لا يعرف هذا المكان، ولم يره من قبل، ولا يعرف الضباط أو الجنود الموجودين فيه. كما أكملت النيابة تحقيقاتها ووصلتها معلومات من شركات الاتصالات أن الجندى -رحمة الله عليه- تحدث من هاتفه الخاص من يوم 26 إلى 28 يناير.. كما أكد تقرير الطب الشرعى النهائى أن الوفاة كانت بسبب اصطدام وليس تعذيب. وبعيدا عن النتائج النهائية للتحقيق، ما يجب أن نتوقف عنده هنا ما قام به إعلاميون يفترض أنهم ينقلون الحقيقة إلى الناس، فإذا بنا نرى أنهم ينقلون إلينا الأكاذيب المفضوحة، بل وصلوا إلى مرحلة صناعة الأكاذيب وليس نقلها فقط كما حدث فى حالة البحيرى. لم يعد هناك أخطر على ثورتنا ووطننا من بعض الإعلاميين الذين يتاجرون فى سلعة الكذب، التى يدفع فيها ملاك الفضائيات والصحف مليارات الجنيهات "المغسولة" من أجل وأد ثورة سوف تكشف عن فسادهم لو تمكنت من الحكم وتعافت من الضربات المتلاحقة.. إذا أردنا أن نعرف هل نجحت ثورتنا أم لا؟ فلننظر إلى إعلامنا فهو ترمومتر الثورة الحقيقى.. وللأسف الإعلام لا يعبر فى مجمله إلا عن الفلول ومن والاهم .