تُعقد بين الحين والآخر اجتماعات المصالحة الفلسطينية فى القاهرة بين حركتى فتح وحماس، ويتم طرح الموضوعات الخلافية على الطاولة، فى كل جلسة يحدث تقدم إلا أننا سرعان ما نسمع أخبار الفشل تتوالى، فلا حكومة تُشكَّل ولا اعتقالات تتوقف، ونعود إلى نقطة الصفر، فى الوقت الذى يتدخل فيه الاحتلال بالعملية السياسية الفلسطينية، ولو نظرنا إلى حالة الاستهداف المتواصل لقيادات حركة "حماس" فى الضفة الغربية نجدها تتزامن دائما فى ثلاثة مسارات؛ فالمسار الأول: توقف المفاوضات السياسية بين السلطة والاحتلال، والمسار الثانى: الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، والمسار الثالث: المصالحة الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق وتفاهمات جديدة. فعندما تسير المصالحة الفلسطينية بخطوات للأمام بعد توقف المسارين السابقين سرعان ما نجد أن الحديث عن المفاوضات وطرح المبادرات الجديدة يحرك الملف المالى ويعطل ملف المصالحة، هذه المعادلة منذ عام 2005 تسير فى السياق نفسه ولم نشهد اختلافا كبيرا؛ فالاحتلال المسيطر على الأرض هو اللاعب الأساسى. إن الاحتلال يتحرك وقتما يشاء فى ظل صمت واضح وغياب الرؤيا على الساحة الفلسطينية، فعمليات الاعتقال دائما ما تستهدف نشطاء حركة حماس فى الضفة الغربية لأن الاحتلال يعى جيدا أن إعادة نشاط حماس فى الضفة الغربية يعنى إعادة العمل العسكرى وتنفيذ هجمات على الاحتلال، وهذا ما لا يريده الاحتلال ولا ترغب فيه السلطة الحاكمة فى الضفة الغربية، لذلك كلما خفَّت الملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة ارتفعت وتيرة الاعتقالات فى الضفة الغربية مع إعلان العدو عن اعتقال خلايا خططت لخطف جنود وعمليات مقاومة. باعتقادى أن علينا أن نفكر خارج الإطار النمطى المعهود خلال المرحلة السابقة، فماذا يعنى تشكيل حكومة! وماذا تعنى لجنة انتخابات! ونحن لا نمتلك الإرادة السياسية على الأرض فى ظل تغول الاحتلال فى طرد الفلسطينيين من الأغوار واستباحة الأراضى بالمشاريع الاستيطانية وتهويد المقدسات، المطلوب اليوم هو التمرد على التفكير الروتينى والنمطى السابق، ومن الضرورة أن يكون التفكير فى طريقة جديدة لإدارة الصراع تخرجنا من أزمة التفكير المغلق نكسر فيها القواعد الاعتيادية ونفكر خارج صندوق الخيارات العقيمة. إن المصالحة الفلسطينية دائما ما تنطلق من منطلقات خاطئة تلمس الإجراءات الجانبية وتترك القضايا المركزية وتدخلنا فى مسارات ضيقة، تغلب الأطراف مصالحها الذاتية فوق المصلحة الفلسطينية وندور فى دوامة الأسماء والشكليات التى لن تغير من الواقع على الأرض، فمن العجيب أن نسمع تصريحات فلسطينية تتحدث عن التنازل من أجل إجراء المصالحة، لذلك لن تحقق المصالحة الفلسطينية أى تقدم حقيقى يواجه التحديات الواقعية التى تمس الشعب الفلسطينى، لأن المصالحة تسير فى طريق خاطئة يسهل على الأطراف الخارجية أن تضع العراقيل فيها، فزيارة أوباما كفيلة بنسف كافة الخطوات التى أُنجزَت. إن المخرج من الوضع الراهن يتمثل فى تشكيل لجنة حوار شاملة تجمع كافة الفصائل والمجتمع بكافة مكوناته تحت مظلة عربية جادة فى تحرير فلسطين، يتم فيها طرح القضايا المركزية على طاولة البحث مثل ملف القدس والاستيطان واللاجئين والتهجير الممنهج من قبل الاحتلال فى منطقة الأغوار وقضية الأسرى، لتبحث الخيارات الفاعلة لمواجهة الاحتلال كخيارات حل السلطة أو إشعال شرارة انتفاضة جديدة فى مواجهة الاحتلال، وطرح جدوى مشروع المقاومة وخيار المفاوضات. إن الخطأ الذى وقعنا فيه نحن الفلسطينيين هو تحوُّلنا من مقاومة الاحتلال إلى وهم الدولة، فلا نجحنا فى بناء دولة ولا نجحنا فى وقف عدوان.