روايات تبعث على الفخر والحزن فى نفس الوقت، فخر بأبناء وطن استطاعوا التميز وإثبات ذاتهم لسنوات طويلة فى الغربة وإن كانت بلدا عربيا شقيقا، ولكنها فى النهاية غربة عن أرض الوطن، وحزنا على ما آل إليه مصير هؤلاء بعد سنوات طوال قضوها فى خدمة بلد اعتبروها وطنهم الثانى ثم خذلتهم وأهانتهم دون ذنب اقترفوه غير أنهم "مصريون".. روايات يحكيها لنا أقرباء وأشقاء المعتقلين المصريين فى دولة الإمارات العربية الشقيقة وكلهم قامات علمية، مهندسون وصحفيون ومعلمون وأساتذة جامعات، تخرج من تحت أيديهم أجيال قادوا هذا البلد الشقيق حتى يصل إلى ما وصل إليه من التقدم والازدهار، ثم تم إلقاء القبض عليهم فى ظروف غامضة ودون تهم واضحة أو محاكمات عادلة حتى الآن، كلهم أشخاص لا تجمعهم علاقة أو علامة مميزة سوى أنهم "مصريون" قضوا فى الإمارات شبابهم كله تقريبا . "الحرية والعدالة" تنقل قصصهم ومأساة ذويهم الذين لا يعلمون إلى الآن أين هم وما تهمتهم أو إلى متى سيظلون فى محبسهم. فى البداية تروى لنا شقيقة زوجة د. مدحت محمد العاجز -أستاذ فى كلية الصيدلة بجامعة عجمان– فتقول: "إنه رجل يشهد كل زملائه وطلابه بالتزامة الخلقى والعلمى والعملى والخدمى على أرض الوطن، ليس له هدف سوى خدمة طلاب الجامعة، وهو أحد مؤسسيها منذ 17 عاما، تخرج على يديه أجيال كثيرة من طلبة الإمارات الشقيقة، وكان كل تركيزه منصبا على التزامه الأسرى والجامعى، ولم يشعر يوما أنه غريب فى دولة الإمارات بل كان يشعر أنه بين أهله وناسه، إلى أن تم إلقاء القبض عليه وقطعت كل الاتصالات به حتى أن أصدقاءه من أساتذة الجامعة صدموا عندما علموا بخبر اعتقاله، مندهشين مما يحدث. وتضيف "كان عندما يأتى إلى زيارة مصر يقول أنه لا يشعر بأى غربة فى الإمارات التى عشق شوارعها ومبانيها وأهلها بعد طول العشرة وعلاقات الحب والود والصداقة التى تجمعه بزملائه وأصدقائه وطلابه فى تلك الدولة الشقيقة، لذلك لم يتوقع أحد يوما فى مصر ولا الإمارات أن يكون هذا مصيره وهو رجل فى أواخر الخمسينات يعانى مثلما يعانى كل من فى سنه من أمراض هذا السن من ضغط وسكر، ولا نعرف عنه شيئا، ولا ندرى بأى ذنب تم القبض عليه ولم تفدنا أى من الجهات المعنية حتى الآن بأى معلومة تطمئنا عليه". وتقول زوجة الأستاذ أحمد محمود طه -مدرسة رياضيات-: "إنه يعمل فى الإمارات منذ 31 عاما تخرج من تحت يديه أجيال، وكان إنسانا مخلصا فى عملة حرصت المدرسة التى يعمل بها على وجوده فيها لمدة 31 سنة رغم تغيير إدارة المدرسة أكثر من مرة، إلا أن جميع الإدارات المتعاقبة حرصت على بقائه وتجديد عقده بانتظام . وتصف الزوجة الإمارات بأنها "دولة محترمة" لم يُهَن أو يعتقل أحد فيها أبدا ولم تغبن حقوقه، ولكن "لا ندرى لماذا حدث ذلك وما الجريمة التى ارتكبها بعد كل هذا العمر فى خدمة هذا البلد لكى يتم اعتقاله لأكثر من 40 يوما دون أن نعلم عنه أى شىء". أما زوجة المهندس صلاح المشد فتقول: "زوجى بدأ حياته فى الإمارات وكان عمره 24 سنة عمل بوزارة الدفاع لمدة 14 عاما عشنا فى الإمارات 30 سنة أولادى ولدوا هناك وتربوا وتعلموا فى مدارسها، ولم ينزلوا مصر إلا للجامعة، وزوجى مشهود له بالكفاءة والخبرة وحسن الخلق وكان ممثلا للشركة التى يعمل بها فى أكثر من محفل دولى". كما شارك فى مشاريع هندسية عملاقة مثل المركز الأولمبى وجامعة التقنية والعديد من المشاريع، وتم تكريمه من الشيخ حمدان بن راشد المكتوم رئيس بلدية دبى شخصيا، مؤكدة أنه لا يستحق ما حدث له بعد هذا العمر الطويل الذى قضاه فى خدمة هذا البلد، ومتسائلة عن السبب وراء ذلك فحتى آخر لحظة كان زوجها معها على التليفون قبل اعتقاله فى مطار دبى وهو قادم إلى مصر ولم يرتكب أى جرم يمكن أن يؤدى إلى اعتقاله، وطالبت وزارة الخارجية بأن تطمئنها على زوجها . وتروى زوجة المهندس مراد محمد حامد، فتقول: "سافرنا الإمارات من 17 سنة وقد تدرج زوجى فى المهنة إلى أن أصبح مدير شركة ثم صاحب شركة مقاولات، ونزلنا من الإمارات بعد الثورة نظرا للظروف السياسية، وقد سافر فى شهر نوفمبر الماضى من أجل تحصيل بعض الشيكات والمستحقات المالية له، وقد دخل المطار يوم 17 ديسمبر الماضى وحقائبه صعدت الطائرة بالفعل وعند الجوزات اختفى زوجى ولا أعلم عنه شيئا من وقتها ولا أعلم من الذين قبضوا عليه أو إلى أين ذهبوا به.. وحتى الآن لم تتوافر أى معلومات لنا عن مكان احتجازه أو سببه". وتقول زوجة الطبيب محمد شهدة -أستاذ مساعد الطب النفسى- "إنه كان يعمل فى مستشفى راشد النفسى بالإمارات، ومعروف بالخلق الطيب، ومنح جائزة من رئيس شرطة دبى العام الماضى بعد مشاركته فى الدورة الثالثة لمكافحة الإدمان، وعرفت خبر اعتقاله من بعض الناس، ولا نعرف عنه أى شىء منذ اعتقاله ولا سبب القبض عليه". وتابعت الزوجة: "زوجى يسكن مع الدكتور صالح فرج أستاذ الموارد البشرية الذى اعتقل فى 21 ديسمبر الماضى، والذى يعتبر أول معتقل مصرى تم اعتقاله فى الإمارات وهو من العلماء المعروفين بالإمارات فى هذا المجال، وهو طيب الخلق وعالم متكمن، وكان ينظم لنا دورات فى الموارد البشرية، وقد استفدنا منه جميعا، وهو دائم السفر، وعند اعتقاله تم سحب جواز سفر زوجى الذى كان يقطن معه، وبعدها بأيام تم اعتقاله، وقد لجأنا إلى كل الجهات، ولكن لم يفدنا أحد بأى شىء". ويؤكد الدكتور حسين سنبل -أستاذ جراحة العظام- وشقيق الدكتور على سنبل المعتقل فى الإمارات والذى يبلغ عمره 63 سنة ويعانى الكثير من الأمراض نحن لا نعرف أى شىء عمن اعتقلوه على الإطلاق، ورغم أن السفارة المصرية قدمت أكثر من طلب لمقابلة المعتقلين لم تجب عليها السلطات الإماراتية حتى الآن، وهذا عار علينا باعتبار مصر الشقيقة الكبرى للإمارات، ولا مانع لدينا أن يتم التحقيق مع أى أحد ولكن فى ظروف إنسانية وبطريقة إنسانية، وهم يحاكمون فى تهم تثير الضحك مثل تصوير منشآت عسكرية أو التجسس، موضحا أن الإمارات لا تملك أى منشآت عسكرية لا تعلمها أمريكا وإسرائيل، ولا يوجد معلومات مخفية، والتهمة الأخيرة –على حد قوله- أنهم إخوان، وهل هذه تهمة يعاقب عليها القانون الإماراتى؟. وأضاف سنبل متسائلا "هل يعقل أن أبناء الشيخ زايد الذى طالما أحب مصر وساندها يفعلون ذلك بمصر؟". وتروى وفاء سليمان زوجة الدكتور عبد الله محمد زعزع -طبيب أسنان معتقل – فتقول "سافرنا الإمارات منذ عام 1985 وعشنا فى إمارة "أم القوين" وكان لزوجى عيادة هناك وهى أول عيادة أسنان فتحت فى هذه الإمارة الصغيرة التى يعرف بعضها بعضًا، وكنا نمارس العمل العام وعشنا معهم فى سلام، ولم يسيئوا لنا ولم نسئ لهم، وهو من الشخصيات البارزة فى الإمارة". وتستكمل زوجة الطبيب المعتقل حديثها قائلة: "يوم الأحد 9 ديسمبر الساعة 8 مساء دخلت قوة أمن إلى العيادة فى زى مدنى وفتشوا العيادة وتم القبض عليه دون إبداء أسباب". وقالت والدموع تكاد تغرق عينيها "لم نسمع صوته ولا التهمة الموجهه إليه ولا مكانه، ولنا أصدقاء سألوا كثيرا ولم يعرفوا مكانه، وقدمنا شكاوى إلى الخارجية وحقوق الإنسان وجامعة الدول العربية ولا نجد حتى الآن ردّا".