فى كتابه (النباهة والاستحمار) يشرح الكاتب الإيرانى الدكتور (على شريعتى) صور النباهة والاستحمار التى تصيب الفرد والمجتمع، ويوضح مفهوم الاستحمار عموما ومفهوم الاستحمار السياسى خصوصا، مؤكدا أنه: «تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره وحرف مساره عن النباهة الإنسانية والنباهة الاجتماعية، فردا كان أو جماعة». فهناك ذكاء مفرط لدرجة النباهة، وغباء طاغ لدرجة الحمورية أو الاستحمار، التى يرهِن خلالها الفردُ عقلَه لدى الآخرين ليفكروا بدلا منه، ويتحدثوا بلسانه، ويتصرفوا باسمه، وهى ثقافة ينال خلالها العبد من سيده درجة "الحمورية" مع مرتبة الشرف الأولى، فهى درجة استعبادية استبدادية سالبة لحرية الفرد. ومشكلة أعضاء ما يسمى (جبهة الإنقاذ الوطنى) أنهم تصوروا أنهم قادرون –مع آلة الإعلام الجبارة الموجهة مدفوعة الأجر– على تضليل الشعب المصرى، وسلب وعيه، و"استحماره"، والاستيلاء على عقله والتفكير له، وإملاء سلسلة من الأكاذيب على عقلة، حتى بلغ "الاستحمار" ببعضهم للزعم أن من قالوا (لا) فى المرحلة الأولى كانوا 66% بينما النتيجة الحقيقية أمامهم تقول إن 43% فقط قالوا (لا) و57% قالوا (نعم)!!. وعندما جرّبوا السياسة نفسها فى المرحلة الثانية، وقالوا: سوف نكثّف جهدنا هذه المرة، وجاءت النتيجة أعلى وبلغت 74% (بإجمالى 64%) قالوا: إن هذا طبيعى؛ لأنه تم تزويرها، وخرج علينا (الزعيم الوطنى) حمدين صباحى بعبارتِه المبهمةِ الشهيرةِ التى سوف يسجلها التاريخ فى كتب (الأحاجى): (هذا الدستور لإكراه أغلبية قليلة لأقلية كبيرة)؟!!. وبدلا من أن يدرس (الزعيم) صباحى دلالات تصويت حتى أهالى بلدته ومسقط رأسه فى كفر الشيخ لصالح الدستور، خرج ليقول: إنهم مستمرون فى سعيهم لإسقاط (شرعية الدستور)!.. دون أن يدرى هو وأعضاء الجبهة أنهم يقفون بهذا ضد إرادة الشعب الذى قال (نعم) ويحاولون "استحمار" الشعب مرة ثانية!. فنتيجة الاستفتاء أدت لتخبط (جبهة الإنقاذ الوطنى) فأعلنوا قبولهم لنتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور، وأكدوا استمرار "نضالهم لإسقاط هذا الدستور!!"، لأنه "غير متوافق عليه من قِبل الجماعة الوطنية!!"، وتصوروا أنهم هى الوكيل الحصرى عن الجماعة الوطنية، رغم أن من قالوا (لا) –على فرض أنهم مع (جبهة الإنقاذ)، وهذا غير صحيح؛ لأن منهم نسبة كبيرة غاضبة على تدهور حال البلاد أكثر منهم ضد الدستور نفسه– بلغ عددهم 36% فقط من المصوتين، وهذا هو الفارق بين النباهة والاستحمار! النباهة أن يدرك (الإنقاذيون) دلالات التصويت للدستور الجديد ب«نعم» بنسبة تقارب ال64% (غير إقرار المرجعية القانونية للبلاد فى مرحلة ما بعد الثورة) فهذه النسبة تكاد تعطينا تصورا واضحا عن نتيجة الانتخابات البرلمانية المقبلة.. وأن يدركوا أن النتائج جاءت عكس مراهنتهم بأن الشارع سينقلب على الرئيس مرسى والتوجهات الإسلامية التى تسانده بعد القرارات الدستورية الأخيرة، وأن رهانهم على السلاح الإعلامى فى تغيير وجهة نظر الشارع المصرى وحشده ضد قرارات الرئيس فَشَلَ!. أما الاستحمارُ فهو أن يصرّوا على عدم رؤية الواقع، والاستمرار فى كذبة الحديث باسم الشارع، وتوهم أنهم يمكن أن يزيّفوا وعى الشعب المصرى عبر مظاهرات اعترفوا هم –فى تصريحاتهم للصحف الأجنبية- أنها فضحتهم بعدما ظهر أن عدد مَن خرجوا فيها مؤخرا "يكسف"!!