إن الناظر لسنن الله الثابتة يستطيع أن يستنتج أنه بعد فترة الضيق والشدائد سيأتى الفرج بإذن الله، وتبدأ الأمة فى التوحد شيئًا فشيئًا، وتتساقط رايات الباطل بسهولة ويسر، وهنا يظهر لجيل التغيير دور جديد؛ ألا وهو العمل على تجميع الأمة على راية واحدة، وقيادتها لإقامة الخلافة الإسلامية، واسترداد كل الديار المغتصبة، وإنقاذ المسلمين المستضعفين فى شتى بقاع العالم. ويستمر دور الجيل الموعود بعد ذلك فى نشر الإسلام وأستاذية العالم وتحقيق وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببلوغ هذا الدين الآفاق، وفتح روما، لتُصبح الدولة الإسلامية بذلك هى القوة الأولى فى العالم، تنشر الأمن والأمان، وتنقذ البشرية من الضلالة، وتخرجها من الظلمات إلى النور. نعم سيحدث ذلك بإذن الله، كما حدث مع الجيل الأول، الذى بدأ بأفراد مطاردين مضطهدين فى مكة، يقرءون القرآن، ويستمعون إلى آيات الوعد بالنصر والتمكين، وأقصى أمانيهم فى ذلك الوقت أن يبيتوا آمنين، وألا يتعرض أحد منهم لأذى.. هؤلاء هم أنفسهم الذين رأوا التمكين بأم أعينهم، وشاهدوا عز الإسلام ومجده، ويا للعجب أن يصبح خوفهم على أنفسهم بعد ذلك من فتنة بسط الدنيا عليهم!! أخرج البخارى، فى صحيحه، أن عبد الرحمن بن عوف -رضى الله عنه- أُتى بطعام وكان صائما، فقال: قُتل مصعب بن عمير وهو خير منى، وكُفِّن فى بُردة إن غُطى رأسه بدت رجلاه، وإن غُطى رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير منى، ثم بسط لنا فى الدنيا ما بُسط، أو قال: أُعطينا من الدنيا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام. وروى أبو نعيم فى الحلية وغيره أن خباب بن الأرت -رضى الله عنه- يعود نفر من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- فيقولون له: أبشر يا عبد الله، إخوانك تقدم عليهم غدًا، فبكى وقال: أما إنه ليس بى جزع، ولكنكم ذكَّرتمونى أقوامًا وسميتم لى إخوانًا، وإن أولئك قد مَضَوا بأجورهم كما هى، وإنى أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم. إن الكلام عن الجيل الموعود، وما يمكن أن يحققه الله له ليس كلامًا نظريًّا افتراضيًّا تُسَوَّد به الصفحات، وليس أمانى أو أحلامًا نحلم بها، ونهرب من خلالها من واقعنا المر.. لا والله، بل هى حقائق يمكنها أن تحدث وبأسرع مما قد يتخيله البعض لو اجتهدنا جميعًا فى استكمال الشروط المطلوبة، وانتفضنا لتحقيق صفات الجيل الموعود فى أنفسنا وفيمن حولنا: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج: 15]. ويحكى لنا تاريخ أمتنا أن هناك جيلا من الأجيال قام بتحقيق تلك الشروط فى نفسه فحقق الله وعده معه؛ ذلكم هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم، الذين كانوا قبل إسلامهم غاية فى الجاهلية والفرقة والتشرذم، ليأتى الإسلام، ويدخل نوره فى قلوبهم، ويحدث التغيير الداخلى، فتعاد صياغة شخصياتهم من جديد، ويحققون ما طلبه الله منهم، فيحدث الوفاء السريع والكريم منه سبحانه، فيمكن لهم فى الأرض، ليحطموا الإمبراطوريات الظالمة، وليصبحوا فى سنوات قليلة القوة الأولى فى العالم، وينقلوا البشرية إلى عهد جديد زاهر. هذا الجيل كان قبل إسلامه أبعد بكثير عن الله مما نحن عليه الآن، ومع ذلك فإنه غيَّر ما بنفسه، واستوفى الشروط المؤهلة للنصر والتمكين، ساد الأرض، وصنع المجد العظيم للإسلام. ولأن وعد الله لا يُخلف، فعندما حققت هذه الطائفة من البشر الصفات والشروط المؤهلة للنصر -مع قلة الأسباب المادية لديها- نصرها الله عز وجل، ومكنها فى الأرض، وعندما بدأت الأجيال التالية لها فى التنازل شيئًا فشيئًا عن تلك الصفات، كان الخذلان والخسارة، والعودة مرة أخرى إلى الوراء، ليعلو شأن الكفار من جديد ويصل الوضع إلى ما نحن فيه الآن من بؤس وضياع. فعلى جيل التغيير أن يستفيد من الدروس السابقة بألا يتخلى عن مهمته فى قيادة الأمة، حتى بعد أن يتم لها السيادة وأستاذية العالم، بل عليه أن يستمر فى بناء الأجيال، والحفاظ عليها من أمراض الأمم مثل الترف والظلم، ومن ثَّم البعد عن الله عز وجل، والخروج من دائرة معيته وولايته. فالدخول فى دائرة التأييد الإلهى يستلزم شروطا، والاستمرار فى الوجود فيها يتطلب الثبات على هذه الشروط، فكرامة العباد عند ربهم بمقدار استقامتهم وتقواهم، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة. ألم يقل سبحانه لحبيبه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِى وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37]. إنه قانون سماوى (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]. لكن حاجة الأمة الآن إلى وجود جيل التغيير "الجيل الموعود بالنصر والتمكين" حاجة شديدة وماسة تستلزم تكاتف كل الجهود من أجل تكوينه، ولِمَ لا وهو الجيل الذى سيبث الروح فى الأمة بإذن الله، ويوجه عاطفتها توجيهًا صحيحًا نحو التغيير الحقيقى، وسيستمر جيل التغيير فى قيادة الأمة فترة الضيق والكرب والمقاطعة المتوقعة من أعداء الإسلام، وسيستمر كذلك فى فترة السراء والفتوحات والخلافة وأستاذية العالم، ولن يركن إلى الدعة بعد ذلك، بل سيواصل بناء الأجيال والحفاظ على المجد والعزة والعمل على نشر الدين الحق فى كل مكان بإذن الله.