تعيش حركة المقاومة الإسلامية حماس ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين، وهى تحقق إنجازا مقاوما، بعد أن تمكنت من تغيير قواعد اللعبة مع الاحتلال فى العدوان الأخير على غزة، حققت فيه نجاحا شكَّل لها دافعا قويا على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، توجه كسر القيود والحصار بزيارة تاريخية لرئيس مكتبها السياسى خالد مشعل، هى الأولى لقطاع غزة، وأصبحت الحركة محط أنظار العالم الخارجى كافة. لقد عاشت حماس خلال ربع القرن من عمرها محطات هامة جعلتها تشكل حضورا قويا ولافتا، ويمكن تقسيم ربع القرن إلى أربع محطات شكلت التحوُّل الكبير فيها، ولعل المحطة الأولى كانت تتمثل فيما تسميه حماس ضربة 89، وهى حملة الاعتقالات التى شملت معظم القيادات التنظيمية على كل مستويات الحركة بعد اختطاف جنديين من جيش الاحتلال فى عام 1989أى بعد عامين على إعلان التأسيس، ونجحت حماس فى استيعاب الحملة عليها كونها مؤسسة منظمة مسبقا تحت إطار الإخوان المسلمين، وشكلت لها حضورا نضاليا على صعيد العمل الوطنى الميدانى والتفاعلى مع أحداث انتفاضة الحجارة، مما رفع أسهمها لدى الشارع الفلسطينى وشجَّع الشباب على الالتفاف حولها. المحطة الثانية تمثلت فى عملية الإبعاد لأكثر من 400من القيادات إلى جنوب لبنان عام 1992؛ حيث شكلت العملية منعطفا هاما فى حضور الحركة على الصعيد الإعلامى العربى الدولى، ولأول مرة طُرِح اسم حماس على ملف مجلس الأمن عندما تمكن المبعدون من الصمود والعيش فى خيام على الحدود اللبنانية، ورفضوا دخول لبنان حتى أجبروا الاحتلال على إغلاق ملف الإبعاد وعاد المبعدون إلى ديرهم. المحطة الثالثة والتى جاءت بعد اتفاق أوسلو الذى رفضته حماس، ففى عام 1996نفذت الحركة سلسلة عمليات داخل إسرائيل، ردًّا على اغتيال المهندس يحيى عياش القائد البارز فى كتائب "عز الدين القسام"، وتلاها مؤتمر شرم الشيخ بحضور دولى كبير على رأسهم الرئيس الأمريكى بل كلينتون وتم خلاله تصنيف الحركة على أنها "منظمة إرهابية"، وأصبحت ملاحقة ماليا وسياسيا، كما جرت حملة اعتقالات واسعة لعناصرها، تبعها إغلاق مكاتب الحركة فى الأردن وطرد القيادات؛ مما أدى إلى خلخلة الحركة بشكل كبير، وكانت هذه المحطة من أصعب المحطات على حماس قبل أن تنجح فى إعادة البناء وتقود انتفاضة الأقصى وتقدم الصف الأول من قياداتها شهداء. المحطة الرابعة، خوْضها عام 2006الانتخابات التشريعية بعد قرارها الانخراط فى العملية السياسية ببرنامج المقاومة؛ مما أدى إلى حصادها أعلى الأصوات الفلسطينية بعد فشل برنامج التسوية مع الاحتلال، وشكلت الحكومة العاشرة وما تبعها من أحداث داخلية عام 2007، والحرب عام 2008، توجتها بصفقة وفاء الأحرار مع الاحتلال بعد التبادل مع الجندى جلعاد شاليط، والنجاح فى العدوان الأخير على غزة. هذه المحطات من أبرز المنعطفات التى مرت بها الحركة بين الانحصار والانتشار، إلا أنها بعد ربع قرن نجحت فى الحفاظ على ثوابتها، وتكيفت مع الظروف التى مرت بها وتأقلمت وتعاملت معها بمرونة،فطرحت الهدنة الطويلة مع الاحتلال كحل جزئى بدولة على حدود 67، كما حافظت الحركة على برنامج المقاومة، وعلى رأسها المقاومة المسلحة وإعادة الزخم للبعد العربى والإسلامى لقضية فلسطين، كما تمكنت الحركة رغم الظروف المختلفة التى لاحقتها من المحافظة على وحدتها ولم تشهد انشقاقات،إلا أن حماس لا تزال تواجه عقبات فى الاتصالات الخارجية الدولية، رغم أنها نجحت فى فرض نفسها كمعادلة مهمة فى الواقع الفلسطينى. ----------------- حمزة إسماعيل أبوشنب كاتب فلسطينى