لم يحقق الصحفيون والإعلاميون كل طموحاتهم فى الدستور الجديد، وهو ما حدث مع كل الفئات الأخرى؛ لكن كل تلك الفئات حققت أقصى ما تستطيع فى ظل توازنات معقدة داخل الجمعية التأسيسية، وقد تمكن الصحفيون والإعلاميون بالفعل من تحقيق مكاسب جديدة فى مشروع الدستور تجاهلها أصحاب دعوة احتجاب الصحف وتسويد القنوات بشكل متعمد، اتساقا مع مواقف سياسية وحزبية مناوئة للحكم القائم. من حيث المبدأ من حق الصحف والقنوات أن تحتجب إذا شعرت بخطر يهددها وأرادت الاحتجاج عليه، وهو ما حدث فعلا فى احتجاب الصحف الحزبية احتجاجا على صدور القانون 93 لسنة 1995، لكن الاحتجاب الذى تم أمس الأول لم يكن من وجهة نظرى مبررا، بل كان مجرد نكاية سياسية، شارك فيه البعض -بحسن نية- وفقا لمعلومات مغلوطة عن مخاطر متوهمة تهدد حرية الصحافة فى مشروع الدستور دون تحديد لهذه المهددات سوى الحديث عن غياب نص يمنع الحبس فى قضايا النشر، علما أن غياب النص لا يعنى وجود الحبس، فهذا النص لم يكن موجودا بالأساس فى دستور 1971 ولا فى الإعلانات الدستورية اللاحقة، وتم حذفه من مشروع الدستور الحالى، لكنه على كل حال كان حلما يتمنى الصحفيون تحقيقه فى الدستور الجديد. الذين يطلقون الآن قنابل دخان كثيفة حول نصوص الصحافة والإعلام فى الدستور يريدون حجب حقيقة تحقيق مكاسب لم تكن قائمة من قبل، وهى بالمناسبة ليست مكاسب للصحفيين فقط، بل هى مكاسب للشعب عموما وللحرية ودولة القانون، ومن ذلك توسيع حق حرية إصدار الصحف لتشمل الأشخاص الطبيعيين، أى للأفراد دون أن يكونوا بحاجة لتكوين شركات مساهمة، كما أن الترخيص أصبح بمجرد الإخطار، أى أنه أنهى عصر التدخلات الأمنية والإجراءات الإدارية المعقدة التى كانت تستغرق شهورا وسنوات، وتضمنت المكاسب أيضا تأكيد حق الحصول على المعلومات ومساءلة من يمتنع عن توفير هذه المعلومات، ناهيك عن تثبيت حق التعبير عن الرأى وحرية الإبداع وحرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام واستقلالها، وحظر الرقابة عليها، وحظر وقفها أو إغلاقها إلا بحكم قضائى وحظر حل النقابات المهنية أو فرض الحراسة عليها، مع تخصيص نقابة واحدة فقط لكل مهنة، بما ينهى هواجس تكوين نقابات منافسة لنقابة الصحفيين. من المكاسب المهمة أيضا إنهاء وصاية مجلس الشورى على الصحف القومية الذى كان يقوم بتعيين وعزل رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات، وهو ما يلبى رغبة جارفة لدى الوسط الصحفى؛ حيث حلت الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام محل مجلس الشورى فى إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة (فى المادة 216) مع حذف عبارة تضمنتها المادة حول تعظيم الاستثمار الوطنى فى تلك المؤسسات؛ وهو ما فهم منه البعض أنه مدخل لخصخصة هذه المؤسسات. لقد خاض ممثلو الصحفيين معركة صعبة داخل الجمعية التأسيسية لتعزيز حريات الصحافة والإعلام فى الدستور الجديد، وتقدمت نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة بتشكيله الحالى والسابق أيضا بمقترحات محددة للجمعية التأسيسية، وكان الصحفيون محظوظين بتمثيلهم فى الجمعية بخمسة أعضاء أساسيين، هم نقيب الصحفيين ممدوح الولى، وفاروق جويدة، ووحيد عبد المجيد، وأيمن نور، ومحمد عبد العليم داود، كما شاركت بعض الرموز الصحفية فى جلسات استماع أخرى فى الجمعية، وقام وفد من المجلس الأعلى للصحافة الحالى بزيارة الجمعية التأسيسية قبل يومين فقط من انتهاء أعمالها، حاملا مطالب الجماعة الصحفية، وقد استجابت الجمعية لمعظمها باستثناء حظر الحبس فى جرائم النشر وفصل المجلس الوطنى للصحافة عن مجلس الإعلام المسموع والمرئى. تبقى نقطة منع العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر باستثناء الطعن فى الأعراض والحض على الكراهية والتمييز بين المواطنين، مع الاكتفاء بعقوبات الغرامة المغلظة مجالا لجولة جديدة من النضال الصحفى عند تعديل قانون العقوبات وغيره من القوانين.