على صوت تكبيرات الشيخ السديسى فى صلاة الفجر، وعلى مشاهد من زوايا مختلفة لبيت الله الحرام بمكةالمكرمة، بدأت أحداث الجزء الأول من الفيلم الوثائقى "إعمار البيت الحرام" الذى يوثق لمشاهديه قصة بناء وتعمير الكعبة المشرفة. راوى الفيلم يقص على المشاهدين أن الكعبة وضعت بالأرض وطاف حولها الملائكة قبل أن يهبط سيدنا آدم وزوجه حواء من الجنة إلى الأرض وكيف أن الطوفان غمرها فى عهد سيدنا نوح عليه السلام إلى أن شاء الله أن يعود الإنسان إلى النور فأمر سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يحمل زوجه ورضيعه للوادى القفر الذى لا زرع فيه ولا ماء وتركهما ورحل داعيا ربه {رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}، جسد الفيلم معنى الآية الكريمة بتصوير آثار أقدام تتحرك على الرمل للتعبير عن أن سيدنا إبراهيم ترك زوجته وولده ورحل، كما صور استجابة الله لدعائه بتفجير ماء زمزم من بطن أرض يابسة جدا، وتظهر المشاهد أيضا مجموعة من القبائل التى علمت بخبر ماء زمزم فتوجهت لمكانها بحثا عن ماء الشرب وكيف أن السيدة هاجر رضى الله عنها سمحت لقبيلة "العماليق" بالبقاء بجوار الماء مقابل أن يمنحوها الطعام، ولما بلغ سيدنا إسماعيل الحلم زوجوه عمارة ابنة سيد بنى العماليق. وتمر الأيام إلى أن يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم بزيارة ابنه إسماعيل عليه السلام فيذهب لبيته وتقابله زوجه التى شكت له سوء الحياة وفقرها فطلب منها أن تقرئ زوجها السلام وتقول له: غير عتبة بيتك. وفهم سيدنا إسماعيل طلب أبيه بضرورة أن يستعين على الدنيا بزوجة صالحة، ونفذ أمر أبيه بعد أن أسرعت قبيلة "درهم" لشرف مصاهرة النبى إسماعيل ومن هنا ولدت قبائل العرب. بعد ذلك أرسل الله نبيه إبراهيم للمكان الذى أقيم فيه البيت الحرام، وأوضح له عدد أركانه، واستشهد الفيلم بالآية الكريمة: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} فقام سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بإظهار حدود بيت الله وأقاما البناء من الركن الأسود للركن الشمالى عند الحجر بطول 32 ذراعا ومن الركن اليمنى للحجر الأسود بطول 20 ذراعا وبارتفاع قدره 7 أذرع ثم وضعا الحجر الأسود فى موضعه وطافا حول الكعبة 7 أشواط. وبدأت عودة الناس للبيت العتيق تعبدا لله وتطهرا من آثام الدنيا، وأعاد الفيلم إعادة تصوير هذه المشاهد حتى تكون أقرب لفهم المشاهد من خلال بناء قريب جدا لشكل الكعبة قديما ويطوف حوله الناس مصداقا لقول الله تعالى {وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، وظل سيدنا إسماعيل يقوم بولاية ورعاية البيت الحرام لآخر حياته وتوارثتها من بعده قبيلة "درهم" التى تزوج منها إلى أن اجتاح سيل العرم سد مأرب باليمن فى القرن الثالث الميلادى فاضطرت القبائل للمغادرة ونزلت قبيلة "خزاعة" مكةالمكرمة وطردوا الناس منها وبدلوا دين الله الحنيف بعبادة الأصنام وفرضوا على الحجيج قربانا للأصنام وتحول الطواف إلى بكاء وتصدية. واستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن الخامس الميلادى حينما أتى إلى مكة قصى بن كلاب بن مرة وهو من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام ليطوف بالكعبة فآلت إليه أمور مكة وزعامتها ومعه بدأ عهد القرشيين الذين انتشروا فى شعاب مكة وبنوا بيوتا من الطين والحجر، كما بنى قصى دار الندوة وخطط للكعبة المشرفة مكانا يوازى صحن المكان. وفى هذه الفترة كانت سقاية الحجاج شرفا كبيرا وفى الوقت نفسه تكلفة عالية بسبب شح المياه فى مكة خاصة مع ازدياد أعداد الحجيج وزيادة الحركة الاقتصادية فأصبح نقص الماء هو الشغل الشاغل لكل من تولى الأمر بعد قصى. وفكر عبد المطلب فى بئر زمزم التى كانت أخبارها ما زالت ترد على الألسن والأذهان وأخذ يبحث عن مكانها حتى رأى فى منامه من يناديه ويدله على مكانها وأعاد الفيلم هنا تمثيل مشاهد التنقيب عن بئر زمزم وإعادة حفرها لتعود الحياة إلى مكة وتعود مع ماء زمزم قوافل الحجاج والتجارة، فأصبحت أم القرى هى مركز التجارة بلا منازع وملتقى الطرق التجارية بين اليمن والحبشة جنوبا وبين القدس والروم شمالا وبين الهند شرقا ومصر وإفريقيا غربا وكأن الله سبحانه وتعالى كان يعدها لاستقبال سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.