مع وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فجر اليوم الأربعاء، إلى تونس، قادمًا من دولة تشاد، في ختام جولة إفريقية، بدأها قبل عدة أيام، تتعمق الأزمة التونسيةالإماراتية التي تجلت مؤخرا بإعلان تونس وقف استقبال الطيران الإماراتي، بعد إعلان الإمارات عدم ترحيبها بمنح تأشيرات للتونسيات بمزاعم تتعلق بتفجيرات قد تنفذها نساء تونسيات، التي يكمن وراءها المزيد من الخلافات الاستراتيجية، ضمن مشروع الإمارات التوسعي في المنطقة العربية. زيارة استراتيجية ومن المرتقب أن يعقد أردوغان اجتماعًا ثنائيًا، مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في قصر قرطاج، يلي ذلك اجتماع موسع بين الوفد التركي ومسئولين تونسيين. وتختم فعاليات اللقاء مع السبسي بتوقيع اتفاقيات ثنائية بين تركياوتونس، ثم يعقد الرئيسان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، وفق برنامج الزيارة.. كما يجري أردوغان مباحثات مع رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. إلى ذلك يلتقي الرئيس التركي، في مقر إقامته بضاحية قمرت الساحلية، راشد الغنوشي رئيس "حركة النهضة"، وحافظ قائد السبسي نجل رئيس البلاد والمدير التنفيذي لحركة "نداء تونس"، ومحسن مرزوق أمين عام حزب "مشروع تونس". ووفق الرئاسة التونسية، تأتي هذه الزيارة في إطار "الإرادة المشتركة للجانبين التونسي والتركي لدعم علاقات التعاون الثنائي وتنويع مجالاتها وتعزيز سُنّة التشاور السياسي بين البلدين والتباحث في المسائل ذات الاهتمام المشترك". وتزامنًا مع الزيارة، أكد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، وقوف بلاده إلى جانب الحكومة المنتخبة في تونس، مشدّداً على أهمية الاستقرار السياسي فيها. وأضاف أن تركيا تولي اهتمامًا كبيرًا للاستقرار السياسي والنهضة الاقتصادية في تونس، وأن أنقرة تمتلك علاقات جيدة مع كافة أطياف وشرائح المجتمع التونسي. ورأى المتحدث التركي، أنّ "تونس تخضع لضغوط بسبب الأوضاع السائدة في ليبيا والهجمات الإرهابية"، مضيفاً أنّ تركيا قدّمت خلال السنوات الخمس الماضية مساعدات كثيرة إلى تونس فيما يخصّ الجانب الأمني، ونستمر في الوقوف إلى جانبها". مؤامرات الإمارات "ومؤخرا، كشف موقع "ميديا بارت" الفرنسي أن قرار شركات الطيران الإماراتية منع سفر التونسيات، والرد التونسي بحظر تنقل الطيران الإماراتي منها وإليها..يعبر عن أزمة مشتعلة بين البلدين منذ ثورة الياسمين في 2011. وحسب مراقبين، توجد "حرب دبلوماسية صامتة منذ 2011". وكان وزير الخارجية التونسي ما بين سنتي 2015 و2016، طيب البكوش، أكد "حينما كنت وزيراً للخارجية، كانت لدينا صعوبات كثيرة في الحصول على تأشيرات بالنسبة إلى مواطنينا من قبل الإمارات. وشهدت هذه الفترة توقيفات عنيفة، من دون تفسير، عدا عن "إجراءات مؤقتة مرتبطة بقضايا أمنية". وحسب المحلل السياسي التونسي، يوسف شريف، وهو باحث في العلاقات بين تونس ودول الخليج، يقول إن "عوامل التوتر بين البلدين موجودة منذ فترة طويلة"، موضحًا: "لا يجب أن ننسى أننا شهدنا، منذ سنة 2011، ضربات من هذا النوع: انسحاب مفاجئ لمستثمرين إماراتيين أو سحب السفير كما حدث سنة 2013، بعد اختلاف البلدين بخصوص الوضع في مصر، حين دعا الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي إلى إطلاق سراح الرئيس المصري محمد مرسي". كما أنه من بين أسباب الأزمة أيضًا "الروابط الوثيقة بين تونس ودولة قطر"، التي استثمرت مليارًا ونصف مليار دولار في البلد منذ 2011. ويشير إلى أن تونس رفضت، منذ اندلاع أزمة الخليج في يونيو الماضي، "اتخاذ موقف واضح من المعسكرين"، وتجد نفسَها، الآن، في "وضعية الممسك بِحل وسَط دائم فيما يخص سياستها الخارجية". وفاقم الأزمة الإماراتيةالتونسية، فشل حزب "نداء تونس"، المدعوم إماراتيًا، في إحداث توازن قوى في البلد، في مواجهة حركة "النهضة" التي ينظر إليها على أنها مدعومة قطريًا، على اعتبار أنها قريبة من تيار الإخوان المسلمين. ومع اشتعال الأزمة القطرية الخليجية، راهنت الامارات على ان تتخذ تونس موقفا داعما للتحالف الخليجي، وهو ما لم يحدث؛ حيث التزمت تونس الحذر والحياد، كما تفعل الاممالمتحدة، وهو ما تعتبره الامارات دعما مكتوما لقطر.. وفي السياق ذاته، جاءت زيارة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لتونس، وكذلك إيقاف إماراتيين في الجنوب التونسي بتهمة الصيد غير المرخص لأنواع مهددة بالانقراض. ومما يزيد الأمور تعقيدًا، زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس، وهو ما يثير غضب الإماراتيين الذين يمارسون ضغوطا كبيرة، حيث يرى "عيال زايد" أن تونس تقترب كثيرًا من قطر، وتريد منها أن تغير معسكرها أو أن تتخذ، على الأقل، موقفًا واضحًا، لأن تونس، حاليًا، تظهر موقفًا حياديًا. كما أن الصراع في ليبيا ليس ببعيد عن الخطوة الإماراتية، إذ تعلن تونس مواقف تقترب من مواقف الأممالمتحدة، وتقترب، أيضًا، من الرؤية التركية والقطرية. وبعيدًا عن الإهانة التي وجهت إلى النساء التونسيات، فإن قرار شركة الطيران الإماراتية ورد الفعل التونسي يمكن أن يفاقما من الخلافات الموجودة أصلاً بين البلدين، خصوصًا بشأن الوضع في ليبيا، التي فيها تبرز الخلافات الإقليمية على نحو واضح، وحيث تحتل تونس مكانًا استراتيجيًا. وعلى ما يبدو أن التصعيد سيتواصل على شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد ظهور تغريدة للمستشار الثقافي لحكومة دبي، يشدد فيها على أن لدى بلاده الحق في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية أمنها وأمن خطوطها الجوية"، ثم ينهي تغريدته بأن "الخطوط الجوية الإماراتية لم تخسر شيئًا من القرار التونسي"، وأن "تونس هي الخاسرة". وبذلك تتكرر تجارب التخريب الاماراتي للدول العربية ، من مصر إلى ليبيا وصولا إلى تونس.. وهو ما ستكشفه الايام المقبلة.. وهو ما يستدعي يقظة سياسية من قبل الاطياف التونسية.