ظلت الزيارات الأخيرة للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لدول الخليج عبر البوابة الكويتية ثم إلى البحرين محط أنظار الكثيرين من المهتمين بالشأن التونسي، خاصة وأن هذه التحركات تزامنت مع أحداث داخلية تشهدها البلاد تهدد بشكل كبير استقرارها. الاهتمام بتونس يأتي كونها الدولة العربية الوحيدة التي نجت من التبعات المدمرة لما يسمى بالربيع العربي، حيث كانت مضرباً للمثل، كونها من أوائل الدول العربية التي شهدت ثورات داخلية واستطاعت الإطاحة بنظام الحكم فيها الذي كان يمثله المخلوع زين العابدين بن علي، من دون المساس بالشكل العام للدولة حيث حافظت إلى حدٍ ما على البنية المؤسساتية للدولة. في الفترة الأخيرة شهدت تونس أحداثا سريعة وغريبة، بدأت بانشقاقات في صفوف الحزب الحاكم "نداء تونس"، تبعتها أحداث شعبية احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة، عزاه البعض لتصارع الأحزاب السياسية على الحكم وانشغالهم عن معالجة الأزمات المتفاقمة وما زاد الوضع سوءا تردي الوضع الأمني أيضا. زيارات الرئيس السبسي المكوكية لدول الخليج عموما، تأتي تحت عنوان محاولته الحثيثة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس، ومن المتوقع أن يزور الإمارات وقطر وسلطنة عمان، وقبل ذلك زار السعودية في 22 ديسمبر الماضي، لكن الزيارة الخليجية الوحيدة التي أثير حولها العديد من الشكوك هي زيارته للإمارات، فبعد إعلان مدير الديوان الرئاسي لحركة "نداء تونس" رضا بلحاج 25 يناير، عن نية الرئيس التونسي القيام بزيارة رسمية إلى الإمارات خلال الأسابيع المقبلة، جاء الرد الإماراتي وعبر قنوات غير رسمية برفض هذه الزيارة، متذرعةً بكون المسؤولين الإماراتيين مشغولين، ما يعد نقلة نوعية في العلاقات التونسيةالإماراتية، التي وصفها سابقاً المستشار السياسي لرئيس الجمهورية التونسية ب"الطيبة جداً". استمرار أزمة التأشيرة التي فرضتها الإمارات والتي تقضي منع منح التأشيرة للتونسيين أو حتّى تجديد تأشيرات الإقامة لمن حصلوا عليها مسبقاً، يدل على أن هناك خلافا بين الجانبين، على الرغم من محاولة بلحاج مدير الديوان الملكي التونسي من تقليل أهمية هذا الخلاف حيث أشار إلى أن مسألة منح التأشيرات للتونسيين تتم متابعتها بطرق دبلوماسية من طرف وزارة الخارجية، أرجع وزير الخارجية التونسية الأسبق أحمد ونيس، قرار منع دولة الإمارات التأشيرة عن التونسيين إلى عدم رضا الحكام في الإمارات من وجود حركة النهضة في الحكم، قائلا: الإمارات ترى أن حركة النهضة أقرب ما يكون إلى الإخوان المسلمين وأن استبعادهم عن الحكم أمر مهم بالنسبة للساحة العربية. الخلافات التونسيةالإماراتية الخلاف المباشر بين الإمارات ونداء تونس بقيادة الباجي السبسي، عكسته تصريحات سفيان بن فرحات 18 مايو الماضي، حيث قال في مداخلة تلفزيونية: الرئيس التونسي أخبره في لقاء خاص أن الإمارات طلبت من السبسي إزاحة حركة النهضة الإخوانية من المشهد السياسي التونسي على غرار ما حدث في مصر، مقابل تعهد الإمارات بالإيفاء بوعودها المالية في تونس، وعلى ما يبدو أن رفض السبسي لهذا الطلب خوفاً من نشوب أزمة أهلية في الداخل التونسي كان السبب المباشر في مواقف الإمارات الأخيرة منه. دحلان الذراع الإماراتي في تونس يرى مراقبون أن تحركات الإمارات في تونس واتباعها لأسلوب الهجوم خير وسيلة للدفاع، نابع من تخوفها من نجاح مشاريع الانتقال الديمقراطي في الدول التي حدثت فيها الثورات، وبالتالي قد تكون هذه الدول مثلا يحتذى به لباقي الشعوب العربية، ما ينعكس سلبا على الداخل الإماراتي، وهذا ما يفسر كلام السبسي في زيارته الأخيرة للبحرين الذي حاول أن يطمئن الطرف الإماراتي بأن الثورة التونسية لا تتعدى بوتقة تونس الجغرافية قائلا: الثورة التونسية داخلية ولم تكن معدَّة للتصدير. التقارير الإعلامية التونسية بالإضافة لتصريحات بعض الأحزاب كشفت عن دور خفي للإمارات في تونس، عبر مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح، الذي ظهر في المشهد التونسي، حيث ترددت مؤخرا معلومات عن زيارة أجراها دحلان إلى تونس خلال الأسابيع الماضية، عندما تأكد أن أحزاباً قريبة من الإمارات قد هزمت سياسياً في إشارة لنداء تونس؛ وفشلت في تنفيذ خطتها لإزاحة النهضة من البناء السياسي في تونس. وجود دحلان في تونس وجه له أصابع الاتهام بالتورط في الأحداث التي جرت بالبلاد خلال الأيام الماضية، حيث عمد دحلان إلى إثارة التوتر في تونس عن طريق جمعية المجموعة العربية للتنمية والتمكين الوطني التابعة للإمارات وهي مؤسسة يترأسها حاليا الفلسطيني محمد يحيى شامية المعروف بصلته الوثيقة مع محمد دحلان، والذي يلتف حوله مئات الشباب التونسي الذين ينظمون التظاهرات يومياً ضد حركة النهضة. الحديث عن "شامية" ليس وليد اللحظة حيث ترددت معلومات عنه في السابق تفيد بأنه آخر الأشخاص الذين التقوا الناشط السياسي التونسي شكري بلعيد قبل أن يتم اغتياله في فبراير 2012، وقتها تم توجيه اتهام لدولة الإمارات بضلوعها في جريمة الاغتيال، سواء بتدبيرها أو بالوقوف ورائها، وذلك بهدف تأليب الشارع والرأي العام والقوى السياسية ضد حركة النهضة الإسلامية التي كانت تحكم آنذاك، توجيه هذا الاتهام للإمارات جاء استنادا على أن سائق بلعيد تلقى بعد وقوع عملية الاغتيال بدقائق معدودة مكالمتين هاتفيتين وردتا من دولة الإمارات العربية المتحدة. الخلاف الإماراتيالتونسي لم يتوقف عند أعتاب الساحة التونسية الملتهبة، بل تعداه ليطال تركيبة حزب نداء تونس نفسه، حيث تشير مصادر تونسية إلى وجود موالين للإمارات في حزب نداء تونس، أبرزهم محسن مرزوق، الذي كان وراء الانشقاق الأخير في صفوف النداء، حيث انتقد مرزوق توجه السبسي للتقارب مع حزب النهضة وهو ما يوافق التوجه الإماراتي في تونس.