مع مرور الأيام، تتكشّف حقيقة وملامح الصفقة التي أبرمها محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، حتى يتمكّن من تتويجه ملكًا على عرش بلاد الحرمين، وهي الصفقة التي تمثل وجها من وجوه صفقة القرن الخاصة بالمنطقة والإقليم كله. ومن ملامح هذه الصفقة: علمنة النظام السعودي، وإقامة علاقات ودية مع الكيان الصهيوني، وتمهيد الأجواء للقبول به شعبيا بين العرب والمسلمين، إضافة إلى شن الحرب على التيار الإسلامي المعتدل، باعتباره المعوق الأكبر لدمج الصهاينة ومواجهة العلمانية. علمنة النظام السعودي الملمح الأول للصفقة يتمثل في علمنة النظام السعودي، رغم أن ذلك يخالف الأسس التي قام عليها النظام والدولة السعودية من أيام المؤسس عبد العزيز بن آل سعود، والتي قامت مشروعيتها على الحكم بالشريعة الإسلامية وفقا للرؤية السلفية الوهابية، بناء على تحالف مع الحكام "آل سعود" والشيوخ "السلفية الوهابية"، التي تنتمي للشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهناك مؤشرات كثيرة على بدء الأسرة الحاكمة منذ سنوات طويلة، نحو التخفف من قيود التحالف مع السلفية الوهابية، والتوجه نحو علمنة النظام، منها تحليل محتوى الإعلام السعودي على قنوات "إم بي سي"، الممولة من جانب المخابرات السعودية، والتي لا تقدم أي محتوى يحترم القيم الإسلامية والأسس التي قام عليها النظام السعودي. ومن ذلك أيضا، تمكين المؤمنين بالعلمانية من وسائل الإعلام المختلفة التابعة للنظام، ومنها أكثر الصف انتشارا، مثل الحياة اللندنية، والشرق الأوسط، وقناة العربية، وغيرها. بل إن وسائل الإعلام تناولت، اليوم الإثنين 18 سبتمبر 2017، تنظيم حفل موسيقى امتد لأربعة أيام في مدينتي الرياضوجدة، برعاية "محمد بن سلمان" والنظام السعودي، وشهدت الرياضوجدة عرضا موسيقيا مثيرا لأول مرة للفريق الأمريكي "Blue Man Group"، بتنسيق من الهيئة العامة للترفيه السعودية. من جانبنا ليس لدينا مشكلة مع الموسيقى بشكل عام فإن عليها خلافا فقهيا معروفا، ولكن النظام السعودي الذي قام على السلفية الوهابية، يرى أنها حرام وفقا لفتاوى كبار علماء المملكة. والشاهد هنا هو تحلل النظام السعودي وتوجهاته الواضحة نحو علمنة النظام. التحالف مع الصهاينة والملمح الثاني للصفقة من أجل إتمامها، يتمثّل في تدشين تحالف إقليمي موسع يضم الكيان الصهيوني مع الدول العربية. وجاء بيع جزيرتي "تيران وصنافير" من قِبل جنرال العسكر في مصر عبد الفتاح السيسي، ليمثل مدخلا مشروعا لتدشين علاقات رسمية مباشرة بين الرياض وتل أبيب، وإدخال بلاد الحرمين في حظيرة اتفاقية "كامب ديفيد". وبحسب المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور خليل العناني، فإن سعي محمد بن سلمان المستمر لتوطيد علاقته بالولايات المتحدة، يأتي من أجل ضمان عدم وجود أية اعتراضات على توليه العرش. وقد أدرك محمد بن سلمان، كغيره من ساسة المنطقة، أن الطريق إلى واشنطن لا بد وأن يمر عبر تل أبيب، فكان عليه لزاما الانفتاح على هذه، وتدشين حكمه من هناك. لذا يبدو- وفقا للعناني- أن ما يتردّد في الإعلام الإسرائيلي عن زيارته أخيرا لتل أبيب، ولقائه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أقرب إلى الحقيقة. وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق، في ظل اندفاعه غير المحسوب خارجيا، وهو ما يتناسب أيضا مع طبيعة شخصيته المغامرة. كما يبدو الأمر صحيحا إذا ما عرفنا أن عرّاب العلاقة الجديدة بين الرياض وتل أبيب هو دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، وسفيرها في واشنطن يوسف العتيبة وكلاهما لا يدّخر جهدا في التزلف والتقرّب من إسرائيل وساستها، وهو أمر لم يعد سرًّا، وإنما يتفاخرون به علنا. القضاء على التيار الإسلامي المعتدل والملمح الثالث الذي يتوجب على "محمد بن سلمان" القيام به للحصول على العرش السعودي، هو تواصل الحرب ضد التيار الإسلامي المعتدل؛ فداعش وتيارات العنف لا تمثل مشكلة للنظم العربية المستبدة، بل تعتبر سلعة يكتسبون من خلالها مشروعية وجودهم، وإقناع الغرب بهم، والتسويق بأن البديل لهم هو "داعش". ولا يوجد في المنطقة العربية كلها تيار يحظى بشعبية عارمة وقدرة على منازلة المستبدين واكتساب ثقة الشعوب إلا التيار الإسلامي المعتدل، الذي يمثله الإخوان المسلمون، وحماس، وحركة النهضة في تونس، والعدالة والتنمية التركي، والمغربي. وفي هذا السياق، يمكن فهم حملة الاعتقالات التي شنها "محمد بن سلمان" بداية الأسبوع الماضي، ضد عدد كبير من علماء الصحوة والمؤمنين بالتيار الإسلامي المعتدل وأطروحاته. ووفقا للعناني، «لا تخرج الاعتقالات التي جرت قبل أيام بحق دعاة ورجال دين وباحثين ومفكرين في السعودية عما يدور حول مسألة تولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان العرش، خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز. وعلى ما يبدو، ليس الأمر بعيدا عن الصفقة الإقليمية الكبرى التي يجري الحديث عنها في المنطقة، وتقضي بتصفية كل ملفات الإقليم، والقضاء على جيوب المقاومة لصالح السلطويات العربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني».