اللقاءات المشتركة بين مسئولى البلدين تتم دوريًا «عينى عينك».. وممثل «تل أبيب»: العداء بيننا انتهى يخططان لتحويل «تيران» إلى ممر دولى يتقاسمانه مع مصر والأردن.. والتحالف سويًا ضد إيران لم تعد العلاقات الإسرائيلية السعودية سرًا يخفى، وخصوصًا بعد أن أعلن بشكل رسمى ومن قبل عدد من المسئولين الدوليين أن سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى جمعت بين مسئولين إسرائيليين وسعوديين لمناقشة ما يتعلق بالجوانب الإجرائية المترتبة على اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، والتى بمقتضاها، إن صُدِّق عليها ودخلت حيز التنفيذ، أن تؤول سيادة جزيرتى تيران وصنافير الإستراتيجيتين إلى المملكة، وليصبح مضيق تيران، بعد أن كان مصريًا خالصًا، ممرًا دوليًا تتقاسم المصلحة المباشرة فيه مع مصر كل من الأردن، والسعودية، وسلطات الاحتلال الإسرائيلى. الحقيقة أن العلاقات بين الرياض وتل أبيب قد تخطت حتى هذا المستوى منذ فترة، فمنذ تولى سلمان بن عبد العزيز مهامه كملك فى 23 يناير 2015، وأصبح نجله محمد صاحب النفوذ الأول فى البلاط الملكى مضطلعًا بإعادة رسم العلاقات السعودية مع الخارج، متبنيًا لفكرة الدولة السعودية الرابعة، حيث سيختلف بناء الأحفاد عن غرس الجد سعود بن عبد العزيز. فمنذ 2015 أصبحت اللقاءات المشتركة بين مسئولين وقادة سعوديين مع إسرائيليين تتم بشكل يكاد أن يكن روتينيًا، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك؛ مثل تزايد النفوذ الإيرانى فى العراق، والوضع فى سوريا، واليمن، ولبنان، فضلًا عن البرنامج النووى الإيرانى، حتى أن «شمعون شابيرا» الجنرال الإسرائيلى المتقاعد والخبير فى حرب الميليشيات وشئون حزب الله، وهو من مثل إسرائيل فى عدد من هذه اللقاءات السرية، قال إنه ليس هناك من مبرر واحد لاستمرار العداء بين السعودية وإسرائيل، كما أنه لم يكن هناك عداء حقيقى أصلًا، ولقد اكتشفنا أن لدينا نفس المشاكل، والتحديات، كما أن لدينا اتفاق فى مواجهتها. وفى يوم 5 مايو 2016، قبيل زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، استضاف معهد سياسات الشرق الأدنى فى واشنطن كلًا من الأمير تركى بن فيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، و«يكوف عميدرور»، اللواء المتقاعد فى الجيش الإسرائيلى، ليظهر هذا الحدث أن العلاقات بين الجانبين آن لها أن تخرج للعلن، حسب تعليق مراقبين وقتها، والذى أكد عدد منهم أن الأولويات السعودية، وبوصلة علاقتها الخارجية ستشهد تحولًا على يد الأمير الشاب، والذى لا يرى غضاضة فى تقوية العلاقات ومجالات التعاون الثنائى بين بلاده وإسرائيل. ولى ولى العهد، وزير الدفاع، والمسئول الأول عن السياسات الاقتصادية للمملكة، يرى أن هناك العديد من المجالات للتعاون بين المملكة وبين الكيان الصهيونى، فبداية من الحرب الباردة مع إيران، ثم موقف كليهما الرافض لاستمرار الأسد فى حكم سوريا، ثم قلقهما الواضح من تنامى الدور الإيرانى فى بغداد، كما أن بن سلمان يعول كثيرًا على إسرائيل لتعينه على الخروج أو النجاة فى المستنقع اليمنى، وحتى فى الشأن الداخلى السعودى فإن رؤية الأمير الشاب تعول الكثير على الخبرات الزراعية والتجارية الإسرائيلية، فى الوقت ذاته فإن تل أبيب ترى فى التعاون الأمنى مع الرياض فرصة لتطوير قدراتها وخبراتها فى مواجهة الإسلام الراديكالى فى منابعه الوهابية فى قلب المملكة، وخاصة مع رغبة المملكة فى أن تكون إسرائيل وتركيا بديلين لواشنطن لتعول عليهما كفالة أمنها الداخلى والخارجى وضمان استقرار العرش بعد عقود من الاعتماد على الولاياتالمتحدة والتى تواجه علاقاتهما الثنائية مرحلة من الجفاء لم تعهدها المملكة فى تاريخها القصير. ومن جانبى أقدم لكل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل عددًا من القضايا والملفات أرى أنهما متفقتان فيها، ويمكن أن تضيف الكثير لجهود تطوير العلاقات بين الجانبين. التمييز على أساس الدين حيث يلعب الدين دورًا رئيسيًا فى الحياة السياسية لكلا البلدين فبينما إسرائيل تعتبر نفسها وطنًا لليهود، ولا تكون مواطنًا إسرائيليًا كاملًا تتمتع بكافة الحقوق إلا إذا كنت يهوديًا، فإن السعودية أيضًا تعامل غير المسلمين بأنهم مواطنين من الدرجة الثالثة، والحال نفسه مع مواطنيها الذين يدينون بالإسلام ولكنهم ينتمون لمذهب أو فريق يخالف المذهب السنى من المنظور الوهابى المتطرف. تصدير العنف إسرائيل هى أحد المصدرين الرئيسيين فى العالم للأسلحة، والقوات الإسرائيلية تقوم بتدريب قوات الشرطة فى بلدان أخرى -بما فى ذلك الولاياتالمتحدة نفسها- فى تقنيات القمع. بينما السعودية تصدر التطرف/الوهابية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. والوهابية هى الأساس الأيديولوجى لتنظيمى «القاعدة» و«الدولة الإسلامية». الظلم إسرائيل تضطهد الفلسطينيين، ولا تتوقف عن بناء المستوطنات على الأراضى المحتلة، وهناك جدار الفصل العنصرى، والجنود المدججين بالسلاح، يوميات الانتهاكات والاعتداءات، أما المملكة فإن هناك وقائع لا تنقطع عما يتعرض له ملايين العمالة الأجنبية على أراضيها من انتهاكات وما يعانون من تمييز، قصص تتوالى عن اضطهاد شمل حتى مواطنيها من غير السُنة أو من المطالبين بحقهم الشخصى فى حرية الرأى والتعبير. وكلا البلدين يواجه المعارضين باستخدام القوة المفرطة والاعتقال التعسفى وإلى أجل غير مسمى، بخلاف التخويف، والتعذيب. العدوان إسرائيل هى كيان معتدى نشأ باحتلال أرض ليست له، ولكن حتى الأرض التى يبسط عليها قوته الغاشمة لم تكفه فلم تكف إسرائيل منذ وجودها عن الاعتداء على الأراضى المجاورة، والتدخل فى الشئون الداخلية لغيرها بقوة غاشمة واعتداءات بغيضة تاركة لجنودها الحق فى ارتكاب أبشع الجرائم سواء فى ذلك ما تعرضت له لبنانوسورياوالأردنوالعراق ومصر، ومناطق السلطة الفلسطينية وآخر ذلك ما ارتكبته قوات الاحتلال فى اجتياحها لغزة عام 2014 حين استشهد على أيديهم 2104 أشخاص، ودمروا 17200 منزل، وشردوا عشرات الآلاف. السعودية بدورها قامت بالتدخل فى الشأن الداخلى اليمنى، فمنذ مارس 2015 تهاجم بشراسة المتمردين الشيعة فى اليمن، وحتى الآن فإن ضحايا القصف السعودى قد تجاوزوا الستة آلاف يمنى، غالبيتهم باكتساح من المدنيين سواء فى ذلك النساء والأطفال، وشردت أكثر من 2.5 مليون مواطن يمنى، وقصفت قواتها الأسواق العامة والمدارس والمستشفيات والمناطق المأهولة بالسكان وحتى حفلات الزفاف. جرائم ضد الإنسانية تحدد المادة الثامنة من اتفاقية جنيف الدولية أكثر من 50 نموذجًا لجرائم الحرب والتى لا تسقط دعواها بالتقادم، ولو غض العالم طرفه عن استهداف كل من إسرائيل والسعودية للمدنيين، فماذا عن استخدام الأسلحة المحظورة دوليًا؟! فقد استخدمت تل أبيب الفوسفور الأبيض فى غزة، فى حين استخدمت الرياض القنابل العنقودية فى اليمن. استفزاز مصر من قلب إثيوبيا استغل كل من نظامى الحكم فى إسرائيل والسعودية، الأزمة الكبيرة الحالية بين القاهرة وأديس أبابا بسبب قضية بناء إثيوبيا لسد على مجرى نهر النيل «سد النهضة» وما يتعلق بذلك من تهديد لحقوق مصر فى مياهها، فمؤخرًا زار كل من وزير الزراعة السعودى عبد الرحمن بن عبد المحسن ثم تلاه بأيام أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودى، وقد سبقهما بأشهر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيونى، وجميعهم تعرضوا فى زيارتهم لإقامة عدد من المشروعات بمليارات الدولارات، جميعها على مياه نهر النيل بما يرسل بجلاء برسالة استفزازية للنظام المصرى الحاكم وتهديد مباشر للمصريين فى مسألة حياة أو موت. كراهية إيران الكراهية المشتركة لإيران واعتبار كل منهما لطهران أنها تهديد وجودى له، يعارض كلتيهما الاتفاق النووى الإيرانى مع الولاياتالمتحدة، محاولتان الضغط بكل ما أوتيا من سبل على واشنطن للتراجع عن هذا الموقف والالتزام الدولى. كما أن الرياض وتل أبيب تريان الخطر فى النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وتحاولان الحيل أن تتحسن العلاقات بين القاهرة وطهران. كما أن كلًا من نظامى الحكم فى السعودية وإسرائيل يشعران بالقلق الشديد من التنسيق المشترك بين إيران وتركيا بخصوص عدد من الملفات، ومنها سوريا. رحيل بشار الأسد رغبة كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية فى إسقاط نظام الرئيس السورى بشار الأسد أقوى من هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى أن كلا الجانبين كانا يخشيان من الحرب على التنظيم الإرهابى وإضعافه، الأمر الذى قد يصب فى صالح بشار الأسد واحتمالات بقائه، وخاصة بعد تحول موقف أنقرة من رفضها التام لبقاء الأسد إلى قبولها بوجود الأسد كجزء من معادلة الحل فى سوريا. وفى النهاية أظن أنها ليست مصادفة عادية أن يولد محمد بن سلمان فى 1985، وهو العام نفسه الذى وصل فيه ميخائيل جورباتشوف إلى السلطة فى موسكو، ثم بدأ فى تنفيذ برنامج «البروسترويكا» للإصلاحات الاقتصادية، قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتى نفسه على يد جورباتشوف، وبعد ربع قرن يأتى ابن الملك سلمان من زوجته الثالثة، واعدًا ببيروستوريكا سعودية أسماها «رؤية 2030»، تحمل الكثير من الشبه مع سالفتها السوفييتية، فهل يحمل «ولى ولى العهد» نفس المصير لحكم آل سعود؟.