بدأت تنتشر حالة من الغضب في الشارع المصري بسبب خيانة قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي وزبانيته، التي تمثلت في التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"، بتمرير اللجنة التشريعية في برلمان العسكر للاتفاقية، وعرضها على الجلسة العامة، وهو الغضب الذي يحاول الانقلاب تجاهله، بل أعلن عن مواجهة الذين يفكرون في الخروج للاعتراض على تمرير الاتفاقية، وهم ما سبق ان صرح به أكثر من من مصدر أمني. ملامح الغضب، وإن لم تصل إلى ذروتها، إلا أنها بدأت في التشكل، ومن ملامحها طلب زوجة الخلع من زوجها النائب ببرلمان العسكر والذي وافق على الاتفاقية.
شهادة خطيرة
وعلى الرغم من كل المستندات والوثائق والخرائط التي تؤكد مصرية الجزيرتين، حتى أن المستشارة هايدي فاروق الخبيرة في ترسيم الحدود الدولية، كشفت أمس الثلاثاء، أمام برلمان العسكر خلال عرض الاتفاقية، إنها كُلفت من اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الأسبق، والسفير مدحت العاصي (بتكليف من وزارة الخارجية)، والمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، للفحص والبحث عن حقيقة ملكية جزيرتي تيران وصنافير، وخلصت تلك الجهود إلى مصرية الجزيرتين.
وقالت: "قمنا بالسفر إلى عدة أرشيفات حول العالم أكدت تبعيتها لسيناء وليس لأرض الحجاز، مشيرة إلى أن الخديوى إسماعيل مؤسس الجمعية الجغرافية كان قد كلف بعثة علمية لبلاد الحجاز برئاسة "ريتشارد بارتون " لاكتشاف الثروات المعدنية الخاصة، وقالت البعثة وفقا لإحدى المستندات : "غادرنا تيران وصنافير .. وبذلك غادرنا آخر نقطة في حدود مصر".
ولفتت هايدي فاروق إلى أن هناك ملفا آخر في الأرشيف البريطاني صدر في 4 أكتوبر عام 1934عن سكرتير عام وزارة الخارجية البريطاني يستسفر فيه رسميا عن تبعية الجزيرتين، وجاء رد الخارجية البريطانية أنهم لم يجدوا بين الأوراق ما يثبت تبعيتها لأي من الدولتين، إلى جانب ورقة صدرت في 23 يونيو عام 1934 من جانب الجمعية الجغرافية المصرية تتضمن أبحاثا جيولوجية في جزيرتي تيران وصنافير تؤكد تبعيتها لمصر.
وأشارت هايدي فاروق إلى أنه تم ترجمة 75 وثيقة أمريكية من أرشيف الكونجرس الأمريكي تشمل مراسلات بين الملك فيصل آل سعود والإدارة الأمريكية، وقال فيها الملك فيصل إن الجزيرتين سعوديتان ومارست المملكة عليها بعض السيادة مطلع خمسينات القرن الماضي، فجاء الرد الأمريكي قاطعا بأنهما مصريتان".
وأشعلت تلك الحقائق غضب مرتضى منصور الذي شن هجوما شرسا على الخبيرة، ودخل في مشادات مع النائب خالد يوسف، ما دعاها للانسحاب بعد التشكيك فيها والسؤال عن جنسيتها وحقيقة خطاب التكليف الصادر لها من المخابرات، مما أشعل الموقف بين فريق دعم مصر ونواب 25 -30.
وشكك عمر مروان وزير الشئون القانونية وبرلمان العسكر، في هذه الشهادة، ليخرج بعدها ممثل وزارة الدفاع، ليقول إنه لا يمكن للقوات المسلحة أن تفرط في ذرة واحدة من تراب مصر الامر الذي جعل بعض النواب يهتفون "تحيا مصر"، في مشهد تمثيلي من فيلم "الخطايا".
حصار الصحفيين
وبالتزامن مع تمرير اتفاقية العار والخيانة، بدأت سلطات الانقلاب في مواجهة أي صوت يعارض هذه الاتفاقية، فبعد أن خونت كل من دافع عن مصرية الجزيرتين، بدأت في حصار كل من يدافع عنها، في الوقت الذي يكتفي فيه بعض حنجورية الثورة، بالتصريحات الرنانة لتهدئة الشباب الثائر، رغم حالة السعار التي انتابت الأجهزة الأمنية، حتى أنها قامت بالقبض على عشرات الصحفيين من على سلالم النقابة مساء أمس الثلاثاء.
وتساءل الكاتب الصحفي وائل قنديل خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد" اليوم الأربعاء، السؤال الآن: "هل سينفذ حمدين صباحي وقوى المعارضة الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، بالاحتشاد في ميدان التحرير؟ أم أنهم ارتضوا بأن يكونوا "هم والعدم سواء"، كما حسم رئيس برلمان شبه دولة عبد الفتاح السيسي الأمر مبكراً: كل الأحكام القضائية الصادرة ضد رغبة النظام في بيع جزيرتي تيران وصنافير هي والعدم سواء".
وأعرب قنديل عن أسفه قائلا: "يؤسفني أن أقول لك إنكم لو كنتم جادين، حقاً، في التصدّي لخيانات هذا النظام، لكنتم قد أعلنتم التظاهر واحتشدتم لمنع وقوع الكارثة، فالموقف المحترم كان يقتضي ألا تنتظر حتى يمرّر البرلمان الاتفاقية، وتتحوّل الخيانة أمراً واقعاً، يباهي به رئيس البرلمان، وهو يصرخ بكل خيلاء وثقة "هي والعدم سواء"، وهو يتقمص دور مرتضى منصور، ويهدّد كل من يعترض على سعودة الجزيرتين بفتح ملفاته، ويتهمه بالخيانة".
وتابع: "هي تلك اللحظة التي يسطو فيها النظام على أدوار ومهام "المواطنين والمواطنات الشرفاء" الذين شحنهم، قبل أكثر من عام، لمحاصرة نقابة الصحافيين بالأعلام السعودية، والتعدّي على أعضائها بفاحش الشتائم وسفيه التحرشات باليد. لم تعد ثمة حاجة بالنظام للاستعانة بالمواطنين الشرفاء، بعد أن قرّر هو، من أول رئيسه مروره ببرلمانه وجنرالاته، أن يتحوّل إلى "مواطن شريف" في خدمة السعودية وإسرائيل، ويلعب الدور على أحسن ما يكون، في الداخل والخارج. خارجياً، وفي الحصار الخليجي الثلاثي على قطر، تحولت مصر "الكبيرة" إلى نموذج لتلك المواطنة الشريفة، والتي طالعت صورها عندما حاصرت سلطة عبد الفتاح السيسي مقر نقابة الصحافيين، لإسكات هتافها بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، فجاءوا بها ترقص وتشتم وتسب وتهتف، بالأجر، ضد من يرفضون الإذعان للرغبة السعودية".
وتساءل قنديل: "هل هناك عدمية أوضح من أن تتطابق الأقوال والأفعال الصادرة من محاصري قطر، مع أقوال الكيان الصهيوني وأفعاله، تطابقاً تاماً، يشبه حالة وقوع الحافر على الحافر، كما كانت العرب قديماً تصف التماثل بين الأشياء؟، مضيفا: "أرادت إسرائيل حركة حماس إرهابية، فقرّر عرب الحصار على قطر، وعلى غزة، أن "حماس" ومن يدعمها أو يتعاطف معها على لائحة الإرهاب".