تقوم وزارة مالية الانقلاب خلال الفترة الحالية بإعداد الموازنة العامة للعام 2017- 2018، في ظل عدد من الأزمات التي تواجه الموازنة ويكون تأثيرها على المواطن البسيط. أكثر تلك الأزمات كارثية هي سعر صرف الدولار أمام الجنيه الذي تجاوز سعره 18 جنيهًا في السوق الرسمي بعد القرار الكارثي بتعويم العملة المصرية، وهو ما يشير إلى مزيد من العجز في الموازنة وسط توقعات باستمرار صعود سعر الدولار.
التحدي الثاني أمام الموازنة هو ارتفاع سعر البترول عالميًا، والذي بدوره سيرفع حجم فاتورة الدعم لقطاع الطاقة إلى 200 مليار جنيه في الموازنة القادمة مقابل نحو 135 مليار جنيه العام الحالي
كما تواجه الموازنة المقبلة كم كبير من الأعباء تزيد من المصروفات منها مصروفات الأجور والمعاشات وارتفاع العجز وارتفاع فوائد الديون الداخلية والخارجية، وتمويل الالتزامات الدستورية القادمة، حيث يقضي الدستور المصري بزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم.
ومن المقرر الانتهاء من الموازنة وعرضها على برلمان الدم في نهاية مارس الجار، لمناقشتها، قبل تسعين يوماً من بدء السنة المالية في الأول من يوليو المقبل.
ويصل حجم الموازنة الجديدة سيصل إلى 1.1 تريليون جنيه، ارتفاعاً من 974.7 مليار جنيه في العام المالي الجاري، و829 مليار جنيه للعام السابق..
وكشفت وزارة المالية عن عدة أهداف في العام المالي الجديد، أبرزها استهداف معدل نمو يتراوح بين 4% و5%، وخفض البطالة من 12 إلى 10%، مقابل حظر تعيين أي دفعات من الخريجين، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء وتوفير التمويل اللازم، إضافة إلى استكمال تطبيق خطة خفض دعم الكهرباء وتقليص عجز الموازنة، وميكنة الأجور والمعاملات الحكومية.
واستنادا لتراجع مؤشرات الاقتصاد، من تباطؤ لمعدلات النمو ووصول نسب البطالة والفقر لمعدلات غير مسبوقة، إضافة إلى تفاقم عجز الموازنة وارتفاع نسبة ديون مصر الداخلية والخارجية لتغطي كامل الناتج القومي، أكد خبراء اقتصاد وجود صعوبة بالغة في تطبيق ما تصبو إليه الحكومة، مشيرين إلى وجود ما وصفوه ب"الألغام" في طريق الهروب من العجز المالي والديون الثقيلة.
ويقول رشاد عبده، الخبير الاقتصادي في تصريحات صحفية ، إن ما تتحدث عنه الحكومة من تحقيق معدل نمو بين 4% و5% في ظل تراجع معدلات الإنتاج وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية وعلى رأسها السياحة، أمر يدعو إلى التعجب.
لغز البطالة
ويضيف عبده: "الأمر نفسه ينطبق على حديث الحكومة عن سعيها لخفض معدلات البطالة، رغم ما أقرته من حظر تعيين أي دفعات جديدة من الخريجين إلا بموافقة مجلس الوزراء وتوفير التمويل اللازم، وكذلك خفض بند الوظائف المؤقتة ضمن الموازنة الجديدة، إضافة إلى توقف العديد من المصانع وخروج عدة استثمارات أجنبية خارج البلاد وتوقف السياحة وهجرة القائمين عليها لقطاعات أخرى".
سوط الضرائب
ويتابع أن الموازنة الجديدة تعتمد بصورة كبيرة على الإيرادات الضريبية، بعد إقرار قانون ضريبة القيمة المضافة، لكن تباطؤ النشاط الاقتصادي وتوقف العديد من الأعمال والصناعات، سيجهض خطة الدولة في رفع المحصلات الضريبية.
ويشير إلى توقف العديد من المصانع بنسب تفوق 80% في بعض الصناعات كالغزل والنسيج، بجانب خروج عدد كبير من الأجانب العاملين في مصر، مع استمرار حالات التهرب الضريبي، مؤكدا أن الحصيلة الضريبية ستتأثر سلبا وفقا لتلك الظروف الراهنة.
القروض والديون
كما تستهدف الحكومة في الموازنة الجديدة خفض العجز إلى ما بين ما بين 10.1 أو 10.2%، وكذلك خفض مستويات الدين الحكومي.
لكن الخبير الاقتصادي المصري، يقول إن ما يحدث هو العكس، حيث ستزداد أعباء الديون بنحو كبير، بعد ارتفاع الفائدة المحلية وكذلك ارتفاع سعر الدولار، متوقعا أن تتجاوز فوائد الديون فقط حاجز ال 400 مليار جنيه، ما يرفع من العجز المالي.
وكان البنك المركزي، قد رفع أسعار الفائدة المحلية 3% دفعة واحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مما دفع أسعار العائد على أدوات الدين المحلي للارتفاع متخطية 20%، عقب تحرير سعر الصرف.
ويشير عبده إلى أن تضاعف قيمة الدولار بمثابة "القنابل الموقوتة" في الموازنة الجديدة، خاصة أن الدولة تستورد القمح والمازوت والغاز ومواد الإنتاج بالدولار، إضافة إلى تفاقم عبء الديون الخارجية لصعوبة توفير الدولار بالأسعار الحالية، وهو ما يعني مزيد من الديون الداخلية أيضا على الحكومة.
وتتوقع وثائق صندوق النقد أن ترتفع ديون مصر الخارجية إلى 102.4 مليار دولار بعد الانتهاء من برنامج "الإصلاح الاقتصادي"، لتصل إلى أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 /2021.
ويسود قلق من قفزات جديدة في سعر الدولار أعلى من التقديرات الحكومية، في ظل اعتماد البلاد على الاقتراض الخارجي لتوفير جزء ليس بالقليل من احتياجات النقد الأجنبي، بينما تواصل مؤشرات الاقتصاد تراجعها، لا سيما السياحة والصادرات وقناة السويس والتي تعد من أبرز موارد النقد الأجنبي في مصر.