الضحك.. المشروع القومى لشعب "ابن نكتة" "ابن نكتة" عبارة نسمعها كثيرا للتعبير عن خفة الظل وروح الدعابة، والطريف أننا لا نتداول تلك الكلمة إلا فى مصر، لذلك يحاول الفيلم الوثائقى "لماذا يضحك المصريون؟" التعريف بمعيار السعادة، وهل الضحك والرضا من علامات السعادة فعلا أم أنه أمر خص به الله المصريين دون غيرهم؟ ماذا لو اختفت النكتة؟ وكيف تفيد النكتة الصحة النفسية؟ وما النكتة أصلا؟ يأخذنا صناع الفيلم الذى أخرجه أحمد شلبى لمدة ساعة كاملة فى رحلة مع النكتة وصاحبها، وكيف يتعايش مع واقعه، وكيف تكون الأحداث المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بيئة تولد من رحمها النكات، يسعى صناع الفيلم لاختبار مدى صحة تقرير حكومى رسمى يذكر أن نسبة 94% من المصريين يشعرون بالسعادة، وبعد عام واحد من صدور التقرير انخفضت النسبة لتصل إلى 89%. لجأ عبد العزيز إلى صديق له رسام كاريكاتيرى "عبد المجيد" وطلب منه أن يعبر برسمة كاريكاتيرية عن حال المصرى، فرسم عبد المجيد صورة كما يراها لرجل نحيف الجسد رقيق الحال لا تفارقه الابتسامة ليتنقل بالرسمة بين الأطباء النفسيين وأهل الفن والأدب يستطلع آراءهم، وبين شرائح المجتمع المصرى ليطرح سؤالا واحدا: "لماذا يضحك المصريون؟". يقول الطبيب النفسى الدكتور أحمد عبد الله: "النكتة كالمثل الشعبى كلمات مختصرة قد يكون لها معنى واضح ومباشر، وربما ضمت معانى خفية تؤدى للإضحاك، وهو نوع من الدفاع النفسى ضد الألم والضغوط النفسية، وهى أيضا نوع من أنواع التواصل والتوحد الاجتماعى بالإضافة إلى أنها توصل للمستمع معنى مركبا مشتركا بين المصريين، والطريف فى تكوين المصرين أنهم قادرون على صناعة البهجة لكنهم لا يعيشون البهجة مطلقا. بينما يقول الدكتور محمد المهدى -أستاذ الطب النفسى ومؤلف كتاب "الشخصية المصرية"-: لو نظرنا إلى أثر الطبيعة والمناخ على سمات الشخصية المصرية فسنجد أن الأراضى المصرية أراض منبسطة تقل فيها الجبال والمرتفعات، يجرى فيها نهر النيل، والجو معتدل معظم السنة، لذلك كان من سمات الشخصية المصرية البساطة والسهولة والسماحة والطيبة، وهكذا استخدم المصرى النكتة على الصعايدة، والمنايفة، والدمايطة" وربما كانت النكتة وسيلة لاقتناص نجاح البعض وربما كانت غيرة أيضا ممن يخرج من بيئات طاردة ليعمل بمهن متواضعة، لكنه مع مرور الوقت يتحسن وضعه ودخله المادى والاجتماعى. لم يكتف الفيلم الوثائقى بعرض وجهة النظر النفسية، بل اتجه نحو الفن كذلك، واستشهد بشهادة الكاتب والروائى أسامة غريب صاحب كتاب "مصر ليست أمى دى مرات أبويا" ليشرح مفهومه عن كون مصر زوجة أب قائلا: "لم أقصد بعنوان الكتاب أن أتخلى عن وطنى مطلقا، وإنما هو تعليق ساخر على من يدعون أنهم يقومون بدور الأم بواجباتها والتزاماتها، وهم أنفسهم من يسرقون الأراضى، ويتركون الآلاف يغرقون فى السفن، فأى أمومة تلك التى يقصدونها إلا أمومة زوجة والد سندريلا!!" ويضيف: لا يكف المصرى منذ ولادته وحتى مماته عن إطلاق النكات والبهجة والسخرية حتى لو من نفسه. ثم يتجه مخرج الفيلم إلى الكاتب عمر طاهر الذى يقر بأن مهنة رسام الكاريكاتير أو المنولوجيست أو الممثل الكوميدى من الصعب ممارستها ببلد كمصر؛ لأن صاحب المهنة يتقاسمها مع ما يزيد عن 80 مليون مواطن، فيقول: المصريون يمتلكون تلك الموهبة؛ لأن لديهم طبيعة دينية تدعو إلى الرضا بما يدفعه لابتكار أشياء تهون عليه المصائب. ويتجه الفيلم لرسامى الكاريكاتير أنفسهم مثل وليد طاهر والمخرج خالد دياب الذى رأى أن خفة ظل المصريين نابعة من كثرة الضغوط عليه. أما الفنان الكبير محمد صبحى فيرى أن الشعب المصرى ضاحك باكٍ، عمل على تطوير النكتة على مر العصور، وأن قساوة النكتة تتجلى حين تسخر من حاكم وتشعر بمرارتها حين تتهكم على مواطن. ثم أخذ الفيلم يستعرض تاريخ النكتة عند المصرين منذ الفراعنة والتى كانت فى عهدهم أول نكتة مدونة، وحتى عصر الرومان الذى مُنع فيه المصرى من دخول المحاكم لكثرة تهكمه على القضاة، حتى العصر الإسلامى والتى تجلت فى عصر الحاكم بأمر الله وقراقوش وحتى الاحتلال الفرنسى الذى دفع نابليون لسن قانون يجرم من يتهكم أو يسخر من الجيش الفرنسى، وفى عصر الاحتلال الإنجليزى خصصت أماكن لتسامر وتبادل النكات على الإنجليز أُطلق عليها "المضحكخانة". وللصحافة المصرية دور واضح فى ترسيخ تلك الثقافة، فجريدة "التنكيت والتبكيت" لعبد الله النديم وجريدة "أبو نظارة" ليعقوب صنوع كانتا من الصحافة الساخرة على الأحوال المصرية. يقول بلال فضل- صحفى وسيناريست-: إن سحر النكتة فى انتقام الشعوب التى تستطيع أن تأخذ حقها من الحاكم لذلك من الاستحالة أن تجد نكتة على سعد زغلول أو مصطفى النحاس. بينما يرى البراء أشرف -كاتب ومخرج- "أن التطور الطبيعى للنكتة هو الإفيه، وهى كلمة واحدة ساخرة أصغر من النكتة، وأن صناعة النكتة لا تتجلى إلا بوجود واقع متجاوز يتحكم به طرف آخر متمثل فى النظام والسلطة والسياسة". ثم يتجول صناع الفيلم بالمقاهى الشعبية والكافيهات الراقية ليتعرف على آرائهم حول النكتة وسمات المصرى مفجر النكتة، لينتهى فى آخر الفيلم بنقطة البداية حيث الرسام عبد المجيد صاحب الرسمة الكاريكاتيرية، ليؤكد أن النكتة ما هى إلا مسكن لآلام المصرى، لأن المصرى لو ركز فى واقعه سيحزن كثيرا.. حقا إن الضحك المشروع القومى الوحيد للمصريين.