بات معلومًا للجميع أن من قتل الشيخ عماد عفت أمين الفتوى بالأزهر، هو نفسه من قتل أحمد منصور الذى قيل إنه عضو حركة 6 إبريل، وطالب الطب علاء عبد الهادى، وعاد ليقتل المعتصمين في رابعة والنهضة، وبعدها يطارد رافضي الانقلاب في كل شارع وينتهك كافة الحرمات ويمارس كل وسيلة للقمع. الشهيد "عفت" واحد من العلماء الثوار الذين لم يغيبوا عن ميدان التحرير منذ 25 يناير 2011، لم يره أحد على شاشات التليفزيون لكنه كان ناشطًا على الأرض وعاملا فى صمت، إذ اختار أن يتقرب إلى الله بمساندة الثوار وتشجيعهم وإقناعهم بأن التواجد فى ميدان التحرير فى الوقت الراهن لإنجاح الثورة أفضل عند الله من الطواف حول الكعبة. هكذا كان يتحدث إلى تلاميذه ومحبيه، الذين وجدوا فيه نموذجًا لعالم الدين المستنير المهجوس بتحرير الوطن والنهوض به، الأمر الذى جعله يشدد على أن الاعتصام فى الميدان دفاعًا عن مطالب الشعب والثورة بمثابة رباط وجهاد فى سبيل الله. اليوم تحل ذكرى استشهاد الشيخ عماد عفت الرابعة، وما زال الدم يغلي ويزبد، وما زلنا نهتف: يسقط يسقط حكم العسكر، البعض خفت أصواتهم وخارت قواهم وضعفت عزيمتهم وتواروا جنب الحيط، أما المؤمنون بالطريق الذي سلكه الشيخ عفت زادتهم الأحداث إيمانا واحتسابًا، ولا يزالون يهتفون لدماء الشيخ الزكية، ودماء من جاء بعده "القصاص القصاص.. قتلوا شيخنا بالرصاص"، ولكن كيف سيأتي القصاص والقاتل يجلس في قصر الاتحادية بدلا من الرئيس المنتخب؟! العسكر الأعداء اليوم يواجه الشهيد "عفت" وباقي الشهداء قتلا معنويًّا لا يختلف عن القتل بالرصاص، أما القاتل فهو مفتي الانقلاب الشهير بسرقة الأبحاث والمقالات والكتب العلمية، شوقي علام، الذي أفتى بعدم جواز "إطلاق لقب شهيد على قتلى التظاهرات بدعوى أنها تدعو إلى الفتنة". واعتبر علام -خلال رده على سؤال: ما حكم إطلاق وصف الشهادة على قتلى التظاهرات والاعتصامات؟- أن "إطلاق وصف الشهيد على المسلم الذي مات في معركة مع الأعداء، أو بسبب من الأسباب التي اعتبرت الشريعة من مات به شهيدًا، لا بأس به، كما يقال: "المرحوم فلان"، ويراد الدعاء له بالرحمة، ما دام لا يقصد القائل القطع بشهادته، وإنما قصد بإطلاقه الاحتساب أو الدعاء". وشدد مفتي العسكر على أن "من ذهب للتظاهر أو الاعتصام المشروعين، فحصلت حوادثُ تؤدي لمقتله، فيجوز وصفُه بالشهادة دعاءً أو احتسابًا، ما لم يكن معتديًا أو كان سبب هلاكه معصية؛ كمخالفة القانون، أو الخروج للدعوة إلى فتنة، أو العمل على إذكاء نار فتنة، أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة، ونحو ذلك، فمن كان كذلك فليس بشهيد، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف الشريف عليه"! ذكرى عطرة رحل الشيخ "عفت" دون أن يدري أن العسكر يدبرون انقلابًا على أول رئيس مصري منتخب الدكتور محمد مرسي، ولعله لو كان حيًّا بين مؤيدي الشرعية الآن لهتف بهم بأنه "ما ضاع حق وراءه مطالب"، وأن العدل قادم لو بعد حين، داعيًا مستجيرًا بربه "أنى مغلوب فانتصر". اندلعت الاشتباكات فجر أول أيام الاعتصام -الذى استمر لأسبوع- بمحيط مجلس الوزراء، وانهالت طلقات الغدر على المعتصمين، وتعالت الصرخات، وفاحت رائحة الدم، معلنة 255 مصابًا وثلاثة قتلى بخلاف حريق المجمع العلمى، بينهم الشيخ عماد عفت الذى فارقت روحه معركة العدل والكرامة فى الدنيا، خلال اليوم الأول بعدما عبرت رصاصة عيار 9 ملم جاءته من مكان قريب جدًا، بزاوية مستقيمة، من جنابات جسده الرقيق ونفذت من جانبه الأيمن. شيعت جنازة شيخ الثوار فى اليوم التالى من الجامع الأزهر بالقاهرة، وسط أعداد ضخمة ضمت محبيه من كافة أطياف المجتمع المِصْرى، سواء كانوا مختلفين معه أو متفقين، هذا اليوم الذى غيم فيه الحزن سماء المحروسة، وترك الشيخ عماد عفت من خلفه علمًا ينتفع به، وزوجة ثكلى وأربعة أطفال أيتام. يظن العسكر أن دماء الشيخ "عفت" ضاعت كما الحال مع بقية دماء شهداء ثورة يناير وما تبعها من أحداث حتى وقت الانقلاب، فالسيسي أطلق سراح القاتل "مبارك"، بينما هو قام بالقتل في رابعة والنهضة وما تلاها من مجازر، وكافة قيادات داخلية المخلوع حصلوا على البراءة بأحكام من القضاء الشامخ. الآن بات الشعب يعرف حكاية "الطرف الثالث"، الذى دأب المجلس العسكري في وقتها على ترويجها، كحجة على الاندساس فى كل مظاهرة أو اعتصام، وظل يطلق النار على المتظاهرين متخفيًا فى مناسبات مختلفة، وفي 3 يوليو ظهر الطرف الثالث على حقيقته في هيئته العسكرية يطلب تفويضًا ليقتل الشيخ عماد عفت من جديد، إلا أنه بقمعه وديكتاتوريته أيقظ الشعب الذي كان إلى وقت قريب "طيب" بطبعه! شاهد دعاء الشيخ: