دخلت الحرب مرحلة جديدة بين عصابة المخلوع مبارك وأذرعها الإعلامية وزبانية قائد الانقلاب السيسي ومريدي مكتب عباس كامل، بعدما نشرت جريدة "المقال" التي يترأسها إبراهيم عيسي تسريبًا من المخابرات الحربية؛ يتهم الجهة الأمنية بأنها تراقب رجال الأعمال والإعلاميين وترتب لأمر ما بشأنهم بعد التحركات المخالفة لأوامر السيسي التي حدثت من بعض رجال الأعمال وبعض الإعلاميين مؤخرًا. وللحق فإن ليَّ ذراع السيسي لم يبدأ في الأيام القليلة الماضية فحسب، وإنما قرعت طبول الحرب على وقع التسريبات التي تزامنت مع دخول قائد الانقلاب ماراثون الرئاسة، والتي توعد فيها رجال الأعمال بالويل والثبور وعظائم الأمور حال تخاذلهم عن دعم الاقتصاد المترهل. وبالفعل قررت فضائيات رجال الأعمال كشف عورة السيسي وتذكيره دائمًا بأنهم من نفخوا فى صورته وصنعوا هالته الإعلامية وشعبيته المزعومة، فأقاموا سرادقات العزاء أمام لجان الانتخابات الخاوية على عروشها وراحوا يتباكون على عزوف الشعب عن دعم رجل العسكر، وهو الدرس الذي استوعبه سريعًا وأسره في نفسه حتى حين.
الصندوق الأسود ولأنه لا يفلُّ الحديد إلا الحديد، قرر السيسي أن يحارب إعلام المخلوع بالسلاح ذاته لم يجد إلا الإعلامي الأمنجي ومخبر الصحافة عبد الرحيم علي لفتح الصندوق الأسود لرجال الأعمال ومن قبلهم الثوار، في معركة لتكسير العظام، حرص خلالها على حرق كل الوجوه المحسوبة على مبارك وإغراق مراكب عودتهم إلى الساحة السياسية، بعدما بدءوا الزحف عليها مثل النمل الأبيض. البداية كانت مع إعدام رموز الثورة سياسيًّا؛ فأزاح العسكر الطوق عن أعناق الإعلاميين المحسوبين عليه من أجل نهش البوب محمد البرادعي؛ الذي لم يحتمل جولة واحدة، وتلقى الرسالة وفهم فحواها، وقرر الدخول في بيات شتوي، وامتنع عن تجديد "الباقة" إلا في أضيق نطاق، وفيما يتعلق بالشأن المطلق وليس ما له تماس مع العسكر. ومع مهرجان البراءة للجميع لرموز المنحل على يد زبانية الشامخ وجولات جمال مبارك المفاجئة من التحرير إلى الأهرامات، أصدر العسكر الأوامر المباشرة بقطع الطريق أمام الوريث وتلويث سمعة الفاسد الأعظم ونجليه بحكم مخفف في قضية قصور الرئاسة؛ من أجل التخلص من صداع أبناء سوزان، والتفرغ لعصابة الدولة العميقة بعدما أدرك أنهم الأخطر على حكم العسكر واستقرار الأوضاع في البلاد وتهدئة الأجواء أمام السيسي. تحركات السيسي لوأد مبارك الابن سبقها مطالب الإعلامي محمد عبد الرحمن، مقدم برنامج "غرفة الأخبار" على "سي بي سي إكسترا"، بالتصالح مع الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ باعتباره أحد أبطال حرب أكتوبر الذي لعب الدور الرئيسي في عودة سيناء، ومناشدة إعلامية النظام المنحل رولا خرسا في برنامجها "البلد اليوم" على قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل أعمال الحزب المنحل محمد أبو العينين، عودة مبارك والحزب الوطني وحبيب العدلي إلى المشهد السياسي والتصالح معهم. وفي الوقت الذي شرع فيه السيسي في تحريك آلته الإعلامية كان رجال الأعمال في المقابل في الموعد- وبقصد أو بدون قصد- تناثرت انتقادات على استحياء للنظام الانقلابي وتسابق يوسف الحسيني وعمرو أديب وإبراهيم عيسى وتوفيق عكاشة؛ من أجل تأكيد أصحاب رأس المال على أنهم قادرون على الخروج عن النسق والانقلاب على السيسي في حالة الغدر، غير أنهم حرصوا على الطبطبة على قائد البيادة؛ خشية أن تخرج الأمور عن السيطرة فيلاقوا مصير من استعملهم العسكر ولفظهم من أمثال يسري فودة وريم ماجد وباسم يوسف، وغيرها من الأسماء التي تخلص منها الانقلاب مبكرًا.
الشئون المعنوية وتحركت الآلة الإعلامية التابعة رأسًا لمكتب الشئون المعنوية من أجل كشف عورات النخب السياسية، وعلى وقع الحرب المستعرة داخل حزب الوفد قرر الانقلاب محاصرة سيد البدوي الذي حاول أن يلعب دورًا أكثر من المرسوم، وخرجت مباشرة التسريبات التي تكشف علمه بالمجازر التي تُعد للإخوان، ليتراجع "رجل الكيمياء" سريعًا وينضم إلى حظيرة السيسي، ولكن دون أن تخمد العاصفة التي أطلقها حرس الوفد القديم. ومن البدوي، إلى هيكل عرَّاب الانقلاب ورجل العصر وكل العصور، الذي حاول التنظير بعيدًا عن النص على وقع حديثه الممتد- دون داع- مع المذيعة الملاكي لميس الحديدي، وزعم موقع "البوابة نيوز" أن رجال القصر منزعجون من "هيكل"؛ لأنه ينصب نفسه "مرشدًا" ل"السيسي"، ويحرصون على عزل الرئيس عنه ويرفضون ما يفعله؛ لأنه يحاول أن يبدو متصلاً ب"السيسي" يراه ويتحدث معه، ومساعد للرئيس: "السيسي" لم يتصل ب"هيكل" إلا مرة واحدة للاطمئنان على زوجته. وراحت تكيل الاتهامات إلى صانع الفراعين: "يرفض رجال السيسي ما يفعله هيكل؛ لأنهم يعتبرون أنه يصدّر نفسه كوصيٍّ على الرئيس، يوحي بأنه من يرشده، وهو ما يجعل كثيرين من مراقبي الحياة السياسية في مصر يعتقدون أن السيسي يستشير هيكل في كل كبيرة وصغيرة" وما فعله هيكل في حديثه الأخير لم يكن لوجه الوطن ولم يكن لوجه الله.. هيكل لم يفعل شيئًا مطلقًا لوجه الله، ولكنه كان يحاصر رجال السيسي بإشارات إلى أن الرجل لا بد أن يقدم شيئًا للناس يعبر عن رؤيته، في إشارة واضحة إلى من يعملون بجواره لا يمتلكون شيئًا يقدمونه له.
الفرص الضائعة ولم يكن مصطفى الفقي بعيدًا عن نيران العسكر، من أجل إبعاده عن المشهد ليتجرع بمفرده سنوات الفرص الضائعة، وتم تسريب المكالمة التي جمعته بالقيادي الإخواني عصام العريان، والتي ظهر خلالها سكرتير المخلوع مباركًا ومهنئًا لفوز الرئيس مرسي بالرئاسة، وراح يؤكد لنائب رئيس حزب الحرية والعدالة أنه "يحبه وحياة ولاده" و"أن الأقباط يرغبون في دخول حزب الإخوان أفواجًا"؛ من أجل فضح محاولات التملص من الجماعة والعزف على وتر الإرهاب. الوثيقة المخابراتية التي نشرها إبراهيم عيسى وقامت الجريدة بعد دقائق معدودة بحذف الخبر من الموقع حركت المياه الراكدة، بعدما قام عدد من النشطاء بنشر الوثيقة باللينك الخاص الخبر قبل الحذف، وتم نشرها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. الخبر دفع أحد رجال الجيش الإلكتروني للمخابرات الحربية لإعلان الحرب على عيسى وموقعه، وأن الجيش الإلكتروني سيقوم بغلق موقعه ليكون عبرة لغيرة ولمن يتجرأ على الجيش المصري وينشر أي وثيقة تخص الجيش، وادعى أنها مزورة، وأنه لا أحد يستطيع تسريب أي وثائق من داخل جهاز المخابرات المصري؛ ليبقي الصراع مستعرًا بين عصابة أمس واليوم وتواصل الثورة الفرز والفحص.