في ساعة متأخرة من ليل القاهرة قبل أسبوعين، كانت امرأة تجلس داخل سيارة وبجوارها رجل.. استوقف السيارة عنصرا شرطة وأمرا اﻻثنين بالنزول، ثم أصرا على اصطحاب المرأة وحمايتها حتى تصل إلى منزلها، لم تصل المرأة إلى منزلها معززة مكرمة كما زعم الشرطيان، وإنما عادت تغطي جسدها ووجهها مظاهر العار وآثار مخالب ذئبين بشريين في صورة شرطيين، كان من المفترض أنهما يبثان مشاعر الطمأنينة واﻷمان لكل من يراهما. هذه قصة واحدة من بين اعتداءات جنسية مروعة يؤكد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أنها تنامت خلال السنوات الأربع اﻷخيرة وكان بطلها عناصر حكومية وغير حكومية، ورغم ذلك لم يمثل شرطي واحد أمام القضاء ليعاقب على ما ارتكبه من جرائم. القضية ليست حالة فردية، وإنما تعكس قضية كانت وقودًا لثورة ال25 من يناير، وهي إفلات الشرطة من الجرائم الوحشية التي ترتكب في حق المواطنين. لمن يلجأ المصريون ويطلبون منه الحماية إذا كانوا ﻻ يستطيعون اﻻعتماد على الشرطة في تحقيق منظومة اﻷمن؟ سؤال استنكاري طرحه الموقع البريطاني، ليلفت اﻻنتباه إلى تحدي اﻷمن، الذى بات يؤرق مختلف قطاعات المجتمع المصري. في وقت سابق من هذا العام، وتحديدا في يونيو، أمر عبد الفتاح السيسي وزارة الداخلية باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمكافحة "التحرش الجنسي" بالمرأة، بعد سلسلة من الهجمات، التي ارتقت إلى مستوى اﻻعتداء الجنسي والتي تعرضت لها نساء خلال اﻻحتفاﻻت التي رافقت أدائه اليمين الدستورية. تعرضت تسع نساء على اﻷقل ﻻعتداءات جنسية بين يومي الثالث والسادس من يونيو، بينما كن يحتفلن بتنصيب قائد الانقلاب. وأثارت هذه الهجمات انتقادات واسعة من جانب جماعات حقوق اﻹنسان، التي اتهمت الدولة بالفشل في الحد من هذه المشكلة المتنامية. ذهبت سيدة (42 عاما) بصحبة ابنتها إلى ميدان التحرير، لتجرد الابنة من ثيابها وتصبح فريسة لحشد من الذئاب الذين نهشوا لحمها، ليتلطخ ظهرها بالدماء والكدمات. سجلت كاميرات فيديو موبايل هذا المشهد العنيف، ورفع على موقع يوتيوب اﻹلكتروني ليهتز له المجتمع.. تعرضت الفتاة أيضا لإصابات في جهازها التناسلي وحروق بنسبة 40% في جسدها. وفي هذا السياق، يشير الموقع البريطاني إلى أن القصتين السابقتين مثال صارخ في سلسلة حوادث موثقة كان مسرحها ميدان التحرير، أكثر من 90% منها وقع في يونيو 2013 فقط. وفي الخامس والعشرين من يناير 2013، تعرضت 25 امرأة على اﻷقل ﻻعتداءات جنسية في ميدان التحرير.. اغتصبت امرأة تحت تهديد السكين. وهنا سؤال يطرح نفسه، ماذا تمثل واقعة اغتصاب عنصري شرطة لامرأة بالنسبة للاعتداءات الجنسية في التحرير؟ اﻹجابة تتمثل في شيئين: اﻹفلات من العقاب والإنكار. لنبدأ باﻹنكار؛ فقد نفت ميرفت التلاوي -رئيس المجلس القومي للمرأة- حدوث أي وقائع اغتصاب ضد المرأة في السجون المصرية، وزعمت أنها شائعات روج لها مغرضون لتشويه صورة مصر عالميا وإفشال ما اعتبرته "ثورة 30 يونيو". غير أن ما وثقته الجماعات الحقوقية والصحفيون يتناقض مع ذلك، حيث يوثق مركز النديم ﻹعادة تأهيل ضحايا العنف -وهو منظمة حقوقية غير حكومية- حالات اغتصاب داخل وخارج السجون المصرية، ﻻ سيما تلك التي تمارس من قبل موظفين حكوميين، وهي جرائم تعود إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي على الأقل، وفي عام 2012. وثق النديم اغتصاب ربة منزل (30 عاما) داخل قسم شرطة، وبين عامي 2012 و2013، واصل المركز توثيق حاﻻت اغتصاب وتهديد بالاغتصاب ضد معتقلين رجاﻻ ونساء من قبل عناصر شرطة ومساعديين يرتدون ملابس مدنية. وأول يوليو الماضي، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يفيد بحملة اعتقاﻻت عشوائية وتعذيب خلال العام الماضي، شملت شهادات من معتقلين زعموا تعرضهم للاغتصاب في المعتقلات. وفي وقت سابق هذا العام، زعم معارضان أنهما تعرضا ﻻغتصاب من قبل عناصر في ملابس مدنية داخل قسمي شرطة، وفقا لصحيفة ذا جارديان البريطانية، كما تم توثيق حاﻻت اغتصاب في سجون عسكرية داخل مصر. ويشير تقرير أصدره التحالف الدولي للمصريين في الخارج أن 1585 امرأة معتقلة بين يوليو 2013 ويونيو 2014 وهو ما يسلط الضوء على مزاعم اﻻغتصاب والتهديد باﻻغتصاب. وفي سبتمبر، أحيل شرطي إلى محكمة الجنايات بتهمة اغتصاب امرأة مختلة عقليا في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة. وهناك شهادات عديدة لنساء اغتصبن من قبل عناصر الشرطة ولكن خارج السجون، ففي رواية مروعة، قصت ناشطة سياسية مأساة صحفية بريطانية من أصل مصري تدعى سارة كار، مشيرة إلى أن عناصر اﻷمن تعقبتها في ديسمبر من العام الماضي، وتعرضت للتحرش من عناصر أمنية ترتدي ملابس مدنية، قبل أن تغتصب في حي غير سكني بوسط القاهرة. وروت ندى أشرف الطالبة في جامعة اﻷزهر لمواقع إخبارية في نفس الشهر ، أنها كانت تساعد طالبة تتعرض للتحرش من جانب رجل شرطة، لكنها وقعت فريسة في أيديهم واقتادوها إلى حافلة شرطية واغتصبوها. وفي أوائل عام 2011، اغتصب ضابط جيش عاملة إغاثة بريطانية (35 عاما) داخل نقطة تفتيش أمنية في شمال سيناء. وخلال الصيف الماضي، زعمت سيدة أعمال بريطانية في الأربعينيات من عمرها أنها تعرضت للاغتصاب من قبل حارس أمن في فندق خمس نجوم بمنتجع شرم الشيخ. كما زعمت سائحة ألمانية في نفس الوقت أن ضابط شرطة مصري اغتصبها وأمها في منتجع الغردقة. وألقت السلطات القبض على الضابط، لكنها أطلقت سراحه بعدما تنازلت السائحة عن شكواها، وفقا لما ذكرته بوابة اﻷهرام اﻹلكترونية. هذه هي القصص التي سمعنا عنها، لكن ربما يكون هناك الكثير والكثير في بلد تقول الجماعات الحقوقية: إنه ﻻ يتم اﻹبلاغ عن كثير من الحوادث ﻷسباب اجتماعية أو الخوف من مزيد من التحرش واﻻعتداءات من قبل الشرطة. ولكن عندما يتعلق الأمر بعناصر الشرطة، يغيب التطبيق الصارم للقانون. واختتم الموقع تقريره بقوله "إذا كانت مصر تريد التعامل مع قضية العنف الجنسي، وإذا كان السيسي جاد في التزامه بالقضاء على مثل هذه الجرائم، فإنه ﻻ بد أن يبدأ بانتهاكات الشرطة.. ﻻ ينبغي أبدا التسامح مع العنف الجنس، حتى يشعر المواطنون العاديون، رجاﻻ ونساء باﻷمن في أوساطهم".